تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٣ - الصفحة ٥٤
قال الله فقولي: " * (إني نذرت للرحمن صوما) *): أي أوجبت.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه).
قال الأعشى:
غشيت لليلي بليل خدورا وطالبتها ونذرت النذورا ومن هذا قولهم: نذر فلان دم فلان: أي أوجبت على نفسه قتله.
وقال جميل:
فليت رجالا فيك قد نذروا دمي وحموا لقائي يابثين لقوني محررا: أي عتيقا خالصا لله خادما للكنيسة حبيسا عليها مفرغا لعبادة الله ولخدمة الكنيسة، لا يشغله شيء من الدنيا وكلما أخلص فهو محرر، يقال: حررت العبد إذا أعتقته، وحررت الكتاب إذا أخلصته وأصلحته فلم يبق فيه ما يحتاج إلى إصلاحه، ورجل حر إذا كان خالصا لنفسه ليس لأحد عليه متعلق، والطين الحر الذي خلص من الرمل والحصاة والعيوب.
ومحررا: نصب على الحال.
وقال الكلبي وابن إسحاق وغيرهما: فإن الحر رجل إذا حرر وجعل في الكنيسة يقوم عليها ويكنسها ويخدمها ولا يبرحها حتى يبلغ الحلم، ثم يخير فإن رغب أن يقيم فيها أقام، وإن أحب أن يذهب ذهب حيث شاء، فإن أراد أن يخرج بعد التخير لم يكن له ذلك، ولم يكن أحد من) الأنبياء (والعلماء إلا ومن نسل محررا ببيت المقدس، ولم يكن محررا إلا الغلمان، وكانت الجارية لا تكلف ذلك ولا تصلح له لما يمسها من الحيض والأذى، فحررت أم مريم ما في بطنها.
وكان القصة في ذلك أن زكريا وعمران تزوجا أختين، وكانت إيشاع بنت فاقود أم يحيى عند زكريا وحنة بنت فاقود أم مريم عند عمران، وقد كان أمسك على حنة الولد حتى أيست وعجزت، وكانوا أهل بيت من الله بمكان، فبينما هي في ظل شجرة بصرت بطائر يطعم فرخا فتحركت لذلك شهوتها للولد، ودعت الله أن يهب لها ولدا وقالت: اللهم لك علي إن رزقتني ولدا أن أتصدق به على بيت المقدس فيكون من سدنته وخدمه نذرا وشكرا، فحملت بمريم فحررت ما في بطنها ولا تعلم ما هو، فقال لها زوجها: ويحك ما صنعت أرأيت إن كان ما في
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»