" * (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء) *).
قال محمد بن إسحاق بن يسار وغيره من أهل الأخبار قال: كانت الأوس والخزرج أخوين لأب وأم فوقعت بينهما عداوة بسبب سمير وحاطب، وذلك أن سميرا هو سمير بن زيد ابن مالك أحد بني عمرو بن عوف، قيل: حليفا لملك بن عجلان، (والآخر من) الخزرج يقال له: حاطب بن أبحر من مزينة، فوقعت بين القبيلتين الحرب، فزعم العلماء بأيام العرب أن تلك الحرب والعداوة تطاولت بينهم عشرين ومائة سنة، ولم يسمع بقوم كان بينهم من العداوة والحرب ما كان بينهم، واتصلت تلك العداوة إلى أن أطفأها الله بالإسلام وألف بينهم برسوله صلى الله عليه وسلم وكان سبب ألفتهم وارتفاع وحشتهم أن سويد بن صامت أخا بني عمرو بن عوف قدم مكة حاجا أو معتمرا وكان سويد إنما تسميه قومه الكامل لجلادته وشعره ونسبه وشرفه وحكمته، فقدم سويد مكة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث وأمر بالدعوة إلى الله عز وجل، فتصدى له حين سمع به، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل وإلى الإسلام.
فقال له سويد: فلعل الذي معك مثل الذي معي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (وما الذي معك؟) قال: مجلة لقمان، يعني حكمته، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (اعرضها علي) فعرضها عليه فقال: (إن هذا الكلام حسن والذي معي أفضل، هذا قرآن أنزله الله علي نورا وهدى) فتلا عليه القرآن ودعاه إلى الإسلام فلم يبعده عنه وقال: إن هذا القول حسن، ثم انصرف عنه وقدم المدينة، فلم يلبث أن قتله الخزرج قبل يوم بعاث وكان قومه يقولون: قتل وهو مسلم، ثم قدم أبو الجيش أنس بن رافع ومعه فتية من بني عبد الأشهل فيهم أياس بن معاذ، يلتمسون الحلف من قريش على قوم من الخزرج، فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم فجلس إليهم فقال: (هل لكم إلى خير مما جئتم له؟) قالوا: وما ذلك؟ قال: (أنا رسول الله بعثني الله إلى العباد أدعوهم إلى (الله أن يعبدوا الله و) لا يشركوا بالله شيئا وأنزل علي الكتاب) ثم ذكر لهم الإسلام وتلا عليهم القرآن.
فقال إياس بن معاذ وكان غلاما حدثا: أي قوم هذا والله خير مما جئتم به، فأخذ أبو الجيش أنس بن رافع حفنة من البطحاء فضرب بها وجه إياس بن معاذ وقال: دعنا منك فلعمري لقد جئنا لغير هذا، فصمت أياس وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرفوا إلى المدينة وكانت وقعة بعاث بين بني الأوس والخزرج، ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك، فلما أراد الله إظهار دينه وإعزاز نبيه خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقى فيه النفر من الأنصار يعرض نفسه على قبائل العرب كما يصنع في كل موسم، فبينا هو عند العقبة إذ لقى رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا، وهم ستة نفر أسعد بن زرارة، وعوف بن عفراء، ورافع بن ملك، وقطبة بن عارف، وعقبة ابن عامر، وجابر بن عبد الله