والدليل عليه: أنه لو كان محرما فحصره العدو، فله أن يحل منه، فإذا جاز له الخروج منه بالحصر فبان بعض الدخول فيه، والقصد إليه مع وجود الحصر أولى وأحرى، وإمكان المسير وهو أن يكون في الوقت سعة ممكنة فيه الحج، فإذا وجد شرائط الحج وهو (....) وقد بلغ الحاج إلى (الكرقة) مثلا، فلا يجب عليه، لأنه جعل شرائطه في وقت تعذر فعله فيه، فهو كالصبي الذي يبلغ في أثناء نهار الصيام، فلا يجب عليه صوم ذلك اليوم، وزاد كاف وراحلة مبلغة وقوة بدنية واختلف أقاويل الفقهاء في تفصيل هذه الشرائط الثلاثة.
فقال الشافعي (رضي الله عنه): الاستطاعة وجهان: أن يكون مستطيعا بدنه واجدا من ماله ما يبلغه الحج، والثاني: أن يكون معضوبا في بدنه لا يثبت على مركبه، وهو قادر على من يطعه إذا أمره أن يحج عنه بأجرة وغير أجرة، وأما المستطيع بالمال: فقد لزمه فرض الحج بالسنة، لحديث الخثعمية، فأما المستطيع بنفسه: فهو القوي الذي لا يلحقه مشقة غير محتملة في الكون على الراحلة، فإن هذا إذا ملك الزاد والراحلة لزمه فرض الحج، فإن عدم الزاد والراحلة أو أحدهما يسقط فرض الحج عنه، فإن كان قادرا على المشي مطبقا له ووجد الزاد أو قدر على كسب الزاد في طريقه بصنعة مثل الخرز والحجامة ونحوهما، فالمستحب له أن يحج ماشيا، رجلا كان أو امرأة.
قال الشافعي: والرجل أقل عذرا من المرأة، لأنه أقوى وهذا على طريق الاستحباب لا على طريق الإيجاب، فأما إن قدر على الزاد بمسألة الناس في الطريق كرهت له أن يحج، لأنه يصير كلا على الناس، وهذا الذي ذكرت من أن وجود الزاد والراحلة شرط في وجوب الحج، وهو قول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وابنه عبد الله وعبد الله بن عباس ومن التابعين الحسن البصري وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه والشافعي والثوري وأحمد وإسحاق، دليلهم ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما السبيل إلى الحج؟ قال: (الزاد والراحلة).
ومثله روى ابن مسعود وابن عباس وعائشة وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك.
روى الحرث عن علي كرم الله وجهه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ملك زادا وراحلة تبلغانه إلى بيت الله فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا، فإن الله تعالى يقول: " * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) *))