قال ابن عمر: قام رجل فقال: يا رسول الله ما يوجب الحج؟ قال: (الزاد والراحلة) قال: فما الحاج؟ قال: ((الشعث التفل)) قال: فما أفضل الحج؟ قال: (العج والثج).
وقال مالك: إذا قدر على المشي ووجد الزاد والراحلة لزمه الحج بلا خلاف، وإن لم يجد الزاد والراحلة وقدر على المشي نظر، فإن كان مالكا للزاد فعليه فرض الحج لكل حال، وإن لم يكن مالكا للزاد ولكنه يقدر على كسب حاجته منه في الطريق اختلف هذا باختلاف حال الرجل، فإن كان من أهل المروات وممن لا يكسب بنفسه لم يجب عليه، وإن كان ممن يكسب كفايته بتجارة أو صناعة لزمه فرض الحج، وهكذا إذا كان عادته مسئلة الناس لزمه فرض الحج، فأوجب مالك على المطبق للمشي الحج إذا لم يكن له زاد وراحلة، وهذا قول عبد الله بن الزبير والشعبي وعكرمة.
وقال الضحاك: إن كان شابا صحيحا ليس له مال، فعليه أن يؤاجر نفسه بأكله أو عقبه حتى يقضي حجته، فقال: له قائل ما كلف الله الناس أن يمشوا إلى البيت. فقال: لو أن لبعضهم ميراثا بمكة أكان تاركه بل كان ينطلق إليه ولو حبوا، كذلك يجب عليه الحج، واحتج هؤلاء بقوله تعالى: " * (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا) *) أي مشاة.
قالوا: ولأن الحج من عبادات الأبدان من فرائض الأعيان، فوجب أن لا يكون من فرض وجوبها الزاد والراحلة كالصلاة والصيام، فإذا (تقرر) أن وجود الزاد والراحلة شرط في وجوب الحج على قول أكثر أهل العلم، فوجب أن يبين كيفية اعتبار الراحلة والنفقة، وذلك يختلف باختلاف أحوال الناس.
وأما الراحلة: فهي ما لا يلحقه مشقة شديدة في الركوب عليها، وأما النفقة: فإن كان ذا أهل وعيال يجب عليه نفقتهم، فلا يلزمه الحج حتى يكون لهم نفقتهم مدة غيبته لذهابه ورجوعه، لأن هذا الإنفاق فرض على الفور والحج فرض على التراخي، وكان تقديم إنفاق العيال أولى وأهم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت) فإذا لم يكن له أهل وعيال فلابد من نفقته لذهابه، وهل يعتبر فيه الرجوع أم لا؟ فيه قولان للفقهاء