تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٣ - الصفحة ١٥٢
عبادك المؤمنين الذين وفدوا إلي من كل فج عميق شعثا غبرا، تركوا الأهلين والأولاد والأحباب، وخرجوا شوقا إلي زائرين مسلمين طائعين، حتى قضوا مناسكهم كما أمرتهم، فأسألك أن تؤمنهم من الفزع الأكبر وتشفعني فيهم وتجمعهم حولي، فينادي الملك: إن منهم من ارتكب الذنوب بعدك وأصر على الذنوب الكبائر حتى وجبت له النار، فتقول الكعبة: إنما أسألك الشفاعة لأهل الذنوب العظام. فيقول الله: قد شفعتك فيهم وأعطيتك سؤلك. فينادي منادي من جو السماء: ألا من زار الكعبة فليعتزل من بين الناس. فيعتزلون، فيجمعهم الله حول البيت الحرام بيض الوجوه آمنين من النار يطوفون ويلبون، ثم ينادى ملك من جو السماء: ألا يا كعبة الله سيري. فتقول الكعبة: لبيك لبيك والخير بيديك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، ثم (يمدونها) إلى المحشر.
" * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) *).
قال عكرمة: لما نزلت " * (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) *) قالت اليهود: فنحن مسلمون فأمروا أن يحجوا إن كانوا مسلمين، واللام في قوله لله لام الايجاب والإلزام، أي قد فرض وأوجب على الناس حج البيت. قرأ أبو جعفر والأعمش وحمزة والكسائي: حج، بكسر الحاء في هذا الحرف خاصة.
وقرأ ابن أبي إسحاق جميع ما في القرآن بالكسر، وهي لغة أهل نجد.
وقرأ الباقون: بالفتح كل القرآن، وهي لغة أهل الحجاز.
واختيار أبي عبيد، وأبي حاتم، فهما لغتان فصيحتان بمعنى واحد.
وقال الحسن الجعفي الفتح (المصدر) والكسر اسم الفعل، ثم قال: " * (من استطاع إليه سبيلا) *) إعلم أن شرائط وجوب الحج تسعة أشياء هي: البلوغ والعقل والإسلام والحرية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى ينتبه).
ولقوله صلى الله عليه وسلم (أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه حجة أخرى، وأيما أعرابي حج ثم هاجر فعليه حجة أخرى).
وأراد بالهجرة هاهنا: الإسلام وتخلية الطريق، وهي أن يكون الطريق آمنا مسلوكا، لا مانع فيه من عدو ونحوه، فإن كان غير مسلوك لم يجب الحج
(١٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 ... » »»