" * (أعدت للمتقين) *) ثم وصفهم فقال: " * (الذين ينفقون في السراء والضراء) *) يعني في العسر واليسر والشدة والرخاء، فأول خلق من أخلاقهم الموجدة هو الحب والسخاء، ولهذا أخبرنا أحمد بن عبد الله، (ثنا زيد بن عبد العزيز أبو جابر ثنا جحدر ثنا بقية ثنا الأوزاعي عن الزهري عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الجنة دار الأسخياء).
وروى الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار).
" * (فيه آيات بينات مقام إبراهيم) *) آية بينة على الواحد أراد مقام إبراهيم وحده، وقال: أثر قدميه في المقام آية بينة.
وقرأ الباقون: آيات بالجمع أرادوا مقام إبراهيم والحجر الأسود والحطيم وزمزم والمشاعر، وقد مضى ذكر مقام إبراهيم في سورة البقرة " * (ومن دخله كان آمنا) *) من أن يهاج فيه، لأنه حرم، وذلك بدعاء إبراهيم (عليه السلام) حيث قال: " * (رب اجعل هذا بلدا آمنا) *) وكان في الجاهلية من دخله ولجأ إليه آمن من الغارة والقتل ولم يزده الإسلام إلا شدة.
وكتب أبو الخلد إلى ابن عباس: أن أول من لاذ بالحرم الحيتان الصغار والكبار هربا من الطوفان، وقيل: من دخله عام عمرة القضاء مع محمد صلى الله عليه وسلم كان آمنا دليله قوله: " * (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) *).
وقال أهل المعاني: صورة الآية خبر ومعناها أمر تقديرها: ومن دخلوه فأمنوه، كقوله: " * (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) *) أي لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا. وقيل: (ومن دخله) لقضاء النسك معظما له عارفا لحقه متقربا إلى الله عز وجل كان آمنا يوم القيامة وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم (من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار) أي في نهار يوم القيامة.
يدل عليه ما روى جويبر عن الضحاك " * (ومن دخله كان آمنا) *) يقول: من حجه ودخله كان آمنا من الذنوب التي اكتسبها قبل ذلك.