تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٢ - الصفحة ٢٧٥
" * (ولكن الله يهدي من يشاء) *) وأراد بالهدى: التوفيق والتعريف؛ لأنه كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم هدى البيان والدعوة.
وعن عمر بن عبد العزيز قال: بلغني أن عمر بن الخطاب رأى رجلا من أهل الذمة يسأل على أبواب المسلمين فقال: ما أنصفناك يأخذوا منك الجزية ما دمت شابا ثم ضيعناك اليوم، فأمر أن تجرى علية قوته من بيت المال.
" * (وما تنفقوا من خير فلأنفسكم) *) شرط وجزاء، والخير هاهنا المال " * (وما تنفقوا من خير) *) شرط كالأول لذلك حذف النون منها (في الموضعين).
" * (يوف إليكم) *) جزاؤه، كأن معناه: يؤدى إليكم، فكذلك أدخل إلى " * (وأنتم لا تظلمون) *) لا تظلمون من ثواب أعمالكم شيئا.
وأعلم إن هذه الآية في صدقة التطوع، أباح الله أن يتصدق المسلم على المسلم والذمي، فأما صدقة الفرض فلا يجوز إلا للمسلمين، وهما أهل السهمين الذين ذكرهم الله تعالى في سورة التوبة، ثم دلهم على خير الصدقات وأفضل النفقات، فقال الله تعالى:
" * (للفقراء) *) واختلف العلماء في موضع هذا اللام، فقال بعضهم: هو مردود على موضع اللام من قوله " * (فلأنفسكم) *) كأنه قال: وما تنفقوا من خير فللفقراء وإنما تنفقون لأنفسكم ثوابها راجع إليكم، فلما اعترض الكلام قوله " * (لأنفسكم) *) وأدخل الفاء التي هي جواب الجزاء فيها، تركت أعادتها في قوله للفقراء إذ كان معنى الكلام مفهوما.
وقال بعضهم: خبر محذوف تقديره: للفقراء " * (الذين) *) صفتهم كذا، حق واجب، وهم فقراء المهاجرين وكانوا نحوا من أربعمائة رجل ليس لهم مساكن بالمدينة ولا عشائر جعلوا أنفسهم في المسجد يتعلمون القرآن بالليل ويرضخون بالنهار (...) وكانوا يخرجون في كل سريه يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم (فخرج) يوما على أصحاب الصفة فرأى فقرهم وجهدهم فثبت قلوبهم فقال: (أبشروا يا أصحاب الصفة، فمن بقي من أمتي على النعت الذي أنتم عليه راضيا بما فيه فإنهم من رفقائي).
وروي إن عمر بن الخطاب ح أرسل إلى سعيد بن عامر بألف درهم فجاء كئيبا حزينا فقالت له امرأته: حدث أمر، قال: أشد من ذلك، ثم قال: أريني درعك الخلق فشقه وجعله صررا ثم قام يصلي ويبكي إلى الغداة، فلما أصبح قام بالطريق فجعل (ينفق كل) صرة حتى أتى
(٢٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 ... » »»