تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٢ - الصفحة ٢٠١
فأما تفسير الآية وحكمها، فقال ابن عباس وسائر المفسرين: نزلت هذه الآية في رجل من أهل الطائف يقال له: حكيم بن الحرث هاجر إلى المدينة وله أولاد ومعه أبواه وامرأته فمات، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم والديه وأولاده من ميراثه ولم يعط امرأته غير أنه أمرهم أن ينفقوا عليها من تركة زوجها حولا، وذلك أن الرجل كان إذا مات وترك امرأة اعتدت سنة في بيت زوجها لا تخرج، فإذا كان الحول خرجت ورمت كلبا ببعرة تعني بذلك أن قعودها بعد زوجها أهون عليها من بعرة رمي بها كلب، وقد ذكر ذلك الشعراء في شعرهم، قال لبيد:
والمرملات إذا تطاول عامها وكان سكناها ونفقتها واجبة في مال زوجها هذه السنة ما لم تخرج، وكان ذلك حظها من تركة زوجها، ولم يكن لها الميراث، وإن خرجت من بيت زوجها فلا نفقة لها، وكان الرجل يوصي بذلك، وكان كذلك حتى نزلت آية المواريث فنسخ الله نفقة الحول بالربع والثمن، ونسخ عدة الحول بقوله " * (يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) *) قال الله تعالى " * (فإن خرجن) *) يعني من قبل أنفسهن قبل الحول من غير إخراج الورثة " * (فلا جناح عليكم) *) يا أولياء الميت " * (فيما فعلن في أنفسهن من معروف) *) يعني التشوق للنكاح، وفي معنى رفع الجناح عن الرجال بفعل النساء وجهان:
أحدهما: لا جناح عليكم في قطع النفقة عنهن إذا خرجن قبل انقضاء الحول.
والوجه الآخر: لا جناح عليكم في ترك منعهن من الخروج لأن مقامها حولا في بيت زوجها غير واجب عليها، خيرها الله في ذلك إلى أن نسخت أربعة أشهر وعشرا، لأن ذلك لو كان واجبا عليها ما كان على أولياء الزوج منعها من ذلك، فرفع الله الجناح عنهم وعنها، وأباح لها الخروج إن شاءت، ثم نسخ النفقة بالميراث، ومقام السنة بأربعة أشهر وعشرا " * (والله عزيز حكيم وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) *) قد ذكرنا حكم المتعة بالاستقصاء، فأغنى عن إعادته، وإنما أعاد ذكرها ههنا لما فيها من زيادة المعنى على ما سواها وهي أن فيما سوى هذا بيان حكم غير الممسوسة إذا طلقت، وههنا بيان حكم جميع المطلقات في المتعة.
وقال ابن زيد: نزلت هذه الآية لأن الله تعالى لما أنزل قوله " * (ومتعوهن) *) إلى قوله " * (على المحسنين) *) قال رجل من المسلمين: إن أحسنت فعلت وإن لم أرد ذلك لم أفعل، قال الله تعالى " * (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) *) يعني المؤمنين المتقين الشرك، فبين أن لكل مطلقة متاعا وقد ذكرنا الخلاف فيها، وروى أياس بن عامر عن علي بن أبي طالب (رضي
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»