استطعمتك فلم تطعمني، واستسقيتك فلم تسقني، واستكسيتك فلم تكسني، فيقول العبد: وكيف ذلك يا سيدي؟ يقول: مر بك فلان الجائع، وفلان العاري فلم (تعطف) عليه من فضلك، فلأمنعنك اليوم من فضلي كما منعته.
وقال أهل الإشارة: أمر الله تعالى بالصدقة على لفظ القرض إظهارا لمحبته لعباده المؤمنين، وذلك أنه إنما يستقرض من الأحبة، ولذلك قال يحيى بن معاذ: عجبت ممن يبقى له مال ورب العرش يستقرضه، وقال بعضهم: هذا (تلطف) من الله تعالى في المواساة والإقراض لعباده.
أبو القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رأيت على باب الجنة مكتوبا: والقرض بثمانية عشر، والصدقة بعشر فقلت: يا جبرئيل ما بال القرض أعظم أجرا؟ قال: لأن صاحب القرض لا يأتيك إلا محتاجا، وربما وقعت الصدقة في غير أهلها).
أبو سلمة عن أبي هريرة وابن عباس قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أقرض أخاه المسلم فله بكل درهم وزن أحد وثبير وطور سيناء حسنات).
فمعنى الآية: من هذا الذي (من) استفهام ومحله رفع بالابتداء و (الذي) خبره (يقرض الله) ينفق في طاعة الله، وأصل القرض القطع، ومنه قرض الفأر الثوب وسمي الشعر قريضا لأنه يقطعه من كلامه، والدين قرضا لأنه يقطعه من ماله.
" * (قرضا حسنا) *) قال علي بن الحسين الواقدي يعني محتسبا، طيبة به نفسه. ابن المبارك: هو أن يكون المال من الحلال. عمر بن عثمان الصدفي: هو أن لا يمن به ولا يؤذي. سهل بن عبد الله: هو أن لا يعتقد بقرضه عوضا " * (فيضاعفه) *) يزيده " * (له) *) واختلف القراء فيه، فقرأ عاصم وابن أبي إسحاق وأبو حاتم " * (فيضاعفه) *) نصبا بالألف، وقرأ ابن عامر ويعقوب بالتشديد والنصب وبالألف، وقرأ ابن كثير وأبو جعفر بالتشديد والرفع، وقرأ الآخرون بالألف والتخفيف ورفع الفاء، فمن رفع جعله نسقا على قوله " * (يقرض) *)، وقيل: فهو يضاعفه، ومن نصبه جعله جوابا للاستفهام بالفاء، وقيل: بإضمار أن والتشديد والتخفيف لغتان، ودليل التشديد قوله " * (أضعافا كثيرة) *) لأن التشديد للتكثير.
قال الحسن والسدي: هذا التضعيف لا يعلمه إلا الله مثل قوله " * (ويؤت من لدنه أجرا عظيما) *) وقال أبو هريرة: هذا في نفقة الجهاد، قال: وكنا نحسب ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا نفقة الرجل على نفسه ورفقائه وظهره ألفي ألف.
" * (والله يقبض) *) يعني يمسك الرزق عمن يشاء ويقتر ويضيق عليه، دليله قوله " * (ويقبضون