تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٢ - الصفحة ١٧٥
بقراءة ابن مسعود: إلا أن يخافوا، واختاره أبو عبيد لقوله تعالى " * (فإن خفتم ألا يقيما حدود الله) *) قال: فجعل الخوف لغيرهما ولم يقل فإن يخافا ألا يقيما حدود الله وهو أن تخاف المرأة الفتنة على نفسها فتعصي الله في أمر زوجها، ويخاف الزوج إذا لم تطعه امرأته أن يعتدي عليها، فنهى الله تعالى الرجل أن يأخذ من امرأة شيئا بغير رضاها إلا أن يكون النشوز وسوء الخلق من قبلها فتقول: والله لا أبر لك قسما ولا أطيع لك أمرا ولا أطأ لك مضجعا، ونحو ذلك، فإذا فعلت ذلك به حل له العقوبة منها إذا دعته إلى ذلك، ويكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، ولكنه في الحكم جائز.
يبين ذلك ما روى الحكم بن عيينة أن امرأة نشزت على زوجها في إمارة عمر بن الخطاب، فوعظها عمر (رضي الله عنه) وأمرها بطاعة زوجها فأبت وقالت: لئن رددتني إليه والله لأقتلن نفسي، فأمر بها فحبست في اصطبل الدواب في بيت الزمل ثلاث ليال، ثم دعاها فقال: كيف رأيت مكانك؟ فقالت: ما بت ليالي أقر لعيني منها، وما وجدت الراحة مذ كنت عنده إلا هذه الليالي، فقال: هذا وأبيكم النشوز، ثم قال لزوجها: اخلعها ولو من قرطيها، اخلعها بما دون عقاص رأسها فلا خير لك فيها، فذلك قوله عز وجل " * (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) *) المرأة نفسها منه.
قال الفراء: أراد به الزوج دون المرأة فذكرهما جميعا لأقرانهما كقوله " * (نسيا حوتهما) *) وإنما الناسي فتى موسى دون موسى ج وقوله " * (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) *) وإنما يخرج من المالح دون العذب، وقال الشاعر:
فإن تزجراني يا بن عفان أنزجر وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا وقال قوم معناه: فلا جناح عليهما جميعا، لا جناح على المرأة في النشوز إذا خشيت الهلاك والمعصية، ولا فيما افتدت به وأعطبت من المال، لأنها ممنوعة من اتلاف المال بغير حق، ولا على الرجل فيما أخذ منها من المال إذا أعطته طائعة بمرادها، وللفقهاء في الخلع قولان:
أحدهما: إنه فسخ بلا طلاق، وهو قول ابن عباس، وقول الشافعي في القديم بالعراق، ثم رجع عنه بمصر.
والقول الثاني: إن الخلع تطليقة بائنة إلا أن ينوي أكثر منها، وهو قول عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، والقول الجديد من قول الشافعي.
" * (تلك حدود الله) *) هذه أوامر الله ونواهيه " * (فلا تعتدوها) *) فلا تجاوزوها " * (ومن يتعد
(١٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 ... » »»