كفروا بعدما شهدوا أن الرسول حق * (وجاءهم البينات) * يعني بعدما ظهر لهم العلامات * (والله لا يهدي القوم الظالمين) * فإن قيل في ظاهر الآية أن من كفر بعد إسلامه لا يهديه الله ومن كان ظالما لا يهديه الله وقد رأينا كثيرا من المرتدين قد أسلموا وهداهم الله وكثيرا من الظالمين تابوا عن الظلم قيل له معناه لا يهديهم الله ما داموا مقيمين على كفرهم وظلمهم ولا يقبلون إلى الإسلام فأما إذا جاهدوا وقصدوا الرجوع وفقهم الله لذلك لقوله تعالى " والذين جهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " سورة العنكبوت 69 وتأويل آخر قوله * (كيف يهدي الله) * يقول كيف يرشدهم إلى الجنة كما قال في آية * (إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم) * سورة النساء 168 ويقال كيف يرحمهم الله وينجيهم من العقوبة ويقال كيف يغفر الله لهم وقالت المعتزلة كيف يهدي الله معناه كيف يكونون مهتدين لأنهم لا يرون الهداية والاهتداء في الابتداء إلا على سبيل الجزاء ويرون ذلك من كسب العبد ثم قال تعالى * (أولئك جزاؤهم) * يعني أهل الصفة التي ذكرها * (أن عليهم لعنة الله) * يعني سخط الله ويقال الطرد والتبعيد من رحمة الله والخذلان ويقال يلعنهم بالقول * (والملائكة) * يعني عليهم لعنة الله والملائكة * (والناس أجمعين) * إذا لعن رجل رجلا فإن لم يكن أهلا لذلك رجعت اللعنة إلى الكفار ويقال من لم يكن على دينهم يلعنهم في الدنيا ومن كان على دينهم يلعنهم في الآخرة لقوله تعالى " ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا " سورة العنكبوت 25 فذلك قوله تعالى * (والناس أجمعين) * ثم قال تعالى * (خالدين فيها) * يعني في اللعنة فيما يوجبه الله تعالى وهو عذاب النار خالدين فيها * (لا يخفف عنهم العذاب) * يعني لا يهون عليهم العذاب * (ولا هم ينظرون) * أي لا يؤجلون فيها * (لا يخفف عنهم العذاب) * يعني لا يهون عليهم العذاب * (ولا هم ينظرون) * أي لا يؤجلون ثم استثنى التوبة فقال تعالى " إلا الذين تابوا من ذلك وأصلحوا " يقول من بعد الكفر وأصلحوا أعمالهم بالتوبة ويقال أصلحوا لمن أفسدوا من الناس * (فإن الله غفور) * لما كان منهم في الكفر * (رحيم) * بهم بعد التوبة قال الكلبي ومقاتل لما نزلت هذه الآية أي الرخصة بالتوبة كتب أخوة الحارث بن سويد إلى الحارث إن الله قد عرض عليكم التوبة فرجع وتاب وبلغ ذلك إلى أصحابه الذين بمكة فقالوا إن محمدا تتربص به ريب المنون فقالوا نقيم بمكة على الكفر متى بدا لنا الرجعة رجعنا فينزل فينا ما نزل في الحارث فيقبل توبتنا فأنزل الله تعالى * (إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا) * يعني ثبتوا على كفرهم بقولهم نقيم بمكة ما بدا لنا * (لن تقبل توبتهم) * ما أقاموا على الكفر قال الزجاج كانوا كلما نزلت آية كفروا بها فكان ذلك زيادة كفرهم وقوله * (لن تقبل توبتهم) * أي توبتهم الأولى وحبط أجر عملهم ويقال * (لن تقبل توبتهم) * معناه أنهم لم يتوبوا كما قال " ولا يقبل منها شفعة " سورة البقرة 48 أي لا يشفع لها أحد
(٢٥٤)