تفسير السمرقندي - أبو الليث السمرقندي - ج ١ - الصفحة ٢٣٩
51 ثم قال * (قالت) * مريم (رب أنى يكون لي ولد) يعني من أين يكون لي ولد * (ولم يمسسني بشر) * وهو كناية عن الجماع ف " قال " جبريل * (كذلك) * يعني هكذا كما قلت أنه لم يمسسك بشر ولكن * (الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا) * يعني إذا أراد أن يخلق خلقا * (فإنما يقول له كن فيكون) * فنفخ جبريل في جيبها يعني في نفسها قال بعضهم وقع نفخ جبريل في رحمها فعلقت بذلك وقال بعضهم لا يجوز أن يكون الخلق من نفخ جبريل لأنه يصير الولد بعضه من الملائكة وبعضه من الإنس ولكن سبب ذلك إن الله تعالى لما خلق آدم عليه السلام وأخذ الميثاق من ذريته فجعل بعضهم في أصلاب الآباء وبعضهم في أرحام الأمهات فإذا اجتمع الماءان صار ولدا وأن الله تعالى جعل الماءين جميعا في مريم بعضه في رحمها وبعضه في صلبها فنفخ فيها جبريل لتهيج شهوتها لأن المرأة ما لم تهج شهوتها لا تحبل فلما هاجت شهوتها بنفخة جبريل وقع الماء الذي كان في صلبها في رحمها فاختلط الماءان فعلقت بذلك فذلك قوله * (إذا قضى أمرا) * يعني إذا أراد أن يخلق خلقا * (فإنما يقول له كن فيكون) * بغير أب ثم قال تعالى * (ويعلمه الكتاب) * قرأ نافع وعاصم * (ويعلمه) * بالياء يعني أن الله يعلمه وقرأ الباقون بالنون ومعناه أن الله يقول ونعلمه * (الكتاب) * يعني كتب الأنبياء وهذا قول الكلبي وقال مقاتل يعني الخط والكتابة فعلمه الله بالوحي والإلهام * (والحكمة) * يعني الفقه * (والتوراة والإنجيل) * يعني يحفظ التوراة عن ظهر قلبه وقال بعضهم وهو عالم بالتوراة وقال بعضهم ألهمه الله بعدما كبر حتى تعلم في مدة يسيرة ثم قال تعالى * (ورسولا إلى بني إسرائيل) * نصب * (رسولا) * لمعنيين أحدهما يجعله رسولا إلى بني إسرائيل والثاني ويكلم الناس وعطف رسولا أي في حال رسالته إلى بني إسرائيل دليله أنه قال * (أني قد جئتكم بآية من ربكم) * ثم أخبر عن أداء رسالته بعدما أوحى إليه في حال الكبر حيث قال لقومه * (قد جئتكم بآية من ربكم) * يعني علامة لنبوتي ثم بين العلامة فقال * (أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله) * ويقال إن الناس سألوه عنه على وجه التعنت فقالوا له اخلق لنا خفاشا واجعل فيه روحا إن
(٢٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 ... » »»