أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٩٣
وصفنا، وقد أقر هذا القائل أن بعض التكليف قد زال منهم بالآية الثانية، وهذا هو معنى النسخ، والله أعلم بالصواب.
باب الأسارى قال الله تعالى: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض). حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا أبو نوح قال:
أخبرنا عكرمة بن عمار قال: حدثنا سماك الحنفي قال: حدثني ابن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: " لما كان يوم بدر فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الفداء فأنزل الله تعالى: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى) إلى قوله: (لمسكم فيما أخذتم) من الفداء، ثم أحل الله الغنائم ". وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا بشر بن موسى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثنا أبو الأحوص عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: كان يوم بدر تعجل ناس من المسلمين فأصابوا من الغنائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس قبلكم، كان النبي إذا غنم هو وأصحابه جمعوا غنائمهم فتنزل من السماء نار فتأكلها "، فأنزل الله تعالى: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا). وروي فيه وجه آخر، وهو ما رواه الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: شاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في أسارى بدر، فأشار أبو بكر بالاستبقاء وأشار عمر بالقتل وأشار عبد الله بن رواحة بالإحراق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم حين قال: (فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم) [إبراهيم: 36] ومثل عيسى إذ قال: (إن تعذبهم فإنهم عبادك) [المائدة: 118] الآية، ومثلك يا عمر مثل نوح إذ قال: (لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) [نوح: 26] ومثل موسى إذ قال: (ربنا اطمس على أموالهم) [يونس:
88] الآية، أنتم عالة فلا ينفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضربة عنق) فقال ابن مسعود: إلا سهيل بن بيضاء فإنه ذكر الاسلام! فسكت ثم قال: " إلا سهيل بن بيضاء " فأنزل الله تعالى: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) إلى آخر الآيتين. وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار أبا بكر وعمر وعليا في أسارى بدر، فأشار أبو بكر بالفداء، وأشار عمر بالقتل، فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قال عمر، فلما كان من الغد جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو وأبو بكر قاعدان يبكيان، فقلت:
يا رسول الله أخبرني من أي شئ تبكي أنت وصاحبك؟ فقال: " أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة " شجرة قريبة
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»