فإن سبيل المأموم أن يتبع الإمام، ولا يجوز أن يكون الإمام تابعا للمأموم، فعلى قول هذا القائل يسكت الإمام بعد القراءة حتى يقرأ المأموم، وهذا خلاف قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما جعل الإمام ليؤتم به " ثم مع ذلك يكون الأمر على عكس ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من قوله:
" وإذا قرأ فأنصتوا " فأمر المأموم بالإنصات للإمام، وهو يأمر الإمام بالإنصات للمأموم ويجعله تابعا له، وذلك خلف من القول، ألا ترى أن الإمام لو قام في الثنتين من الظهر ساهيا لكان على المأموم اتباعه، ولو قام المأموم ساهيا لم يكن على الإمام اتباعه، ولو سها المأموم لم يسجد هو ولا إمامه للسهو، ولو سها الإمام ولم يسه المأموم لكان على المأموم اتباعه؟ فكيف يجوز أن يكون الإمام مأمورا بالقيام ساكتا ليقرأ المأموم.
وقد روي في النهي عن القراءة خلف الإمام آثار مستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم على أنحاء مختلفة، فمنها حديث قتادة عن أبي غلاب يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قرأ الإمام فأنصتوا "، وحديث ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا قرأ فأنصتوا ". فهذان الخبران يوجبان الإنصات عند قراءة الإمام. وقوله: " إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا قرأ فأنصتوا " إخبار منه أن من الائتمام بالإمام الإنصات لقراءته، وهذا يدل على أنه غير جائز أن ينصت الإمام لقراءة المأموم، لأنه لو كان مأمورا بالإنصات له فكان مأمورا بالائتمام، به فيصير الإمام مأموما والمأموم إماما في حالة واحدة، وهذا فاسد.
ومنها حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " رواه جماعة عن جابر، وفي بعض الألفاظ: " إذا كان لك إمام فقراءته لك قراءة ". ومنها حديث عمران بن حصين: " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القراءة خلف الإمام "، رواه الحجاج بن أرطاة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين. وقد ذكرنا أسانيد هذه الأخبار في شرح مختصر الطحاوي.
ومنها حديث مالك عن أبي نعيم وهب ابن كيسان أنه سمع جابر بن عبد الله يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج " وفي بعضها: " لم يصل إلا وراء الإمام "، فأخبر أن ترك قراءة فاتحة الكتاب خلف الإمام لا يوجب نقصانا في الصلاة، ولو جاز أن يقرأ لكان تركها يوجب نقصا فيها كالمفرد. وروى مالك عن ابن شهاب عن ابن أكيمة الليثي عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: " هل قرأ معي أحد منكم آنفا؟ " قالوا: نعم يا رسول الله، قال: " إني أقول ما لي أنازع القرآن " قال: فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه رسول الله لما