أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٥٢
بكر: روي عن ابن عباس أنه قال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة وقرأ معه أصحابه فخلطوا عليه، فنزل القرآن: (و إذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا). وروى ثابت بن عجلان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: (و إذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) قال: " المؤمن في سعة من الاستماع إليه إلا في صلاة مفروضة أو يوم جمعة أو فطر أو أضحى ". وروى المهاجر أبو مخلد عن أبي العالية قال: " كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قرأ أصحابه أجمعون خلفه، حتى نزلت: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) فسكت القوم وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ". وروى الشعبي وعطا قالا: " في الصلاة " وروى إبراهيم بن أبي حرة عن مجاهد مثله. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد: " أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع قراءة فتى من الأنصار وهو في الصلاة يقرأ، فنزلت هذه الآية ". وروي عن سعيد بن المسيب أنه قرأ في الصلاة، وروي عن مجاهد: أنه في الصلاة والخطبة. والخطبة لا معنى لها في هذا الموضع، لأن موضع القرآن في الخطبة كغيره في وجوب الاستماع والإنصات. وروي عن أبي هريرة أنهم كانوا يتكلمون في الصلاة حتى نزلت هذه الآية.
وهذا أيضا تأويل بعيد لا يلائم معنى الآية، لأن الذي في الآية إنما هو أمر بالاستماع والإنصات لقراءة غيره، لاستحالة أن يكون مأمورا بالاستماع والإنصات لقراءة نفسه، إلا أن يكون معنى الحديث إنهم كانوا يتكلمون خلف النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فنزلت الآية، فإن كان كذلك فهو في معنى تأويل الآخرين له على ترك القراءة خلف الإمام، فقد حصل من اتفاق الجميع أنه قد أريد ترك القراءة خلف الإمام والاستماع والإنصات لقراءته. ولو لم يثبت عن السلف اتفاقهم على نزولها في وجوب ترك القراءة خلف الإمام لكانت الآية كافية في ظهور معناها وعموم لفظها ووضوح دلالتها على وجوب الاستماع والإنصات لقراءة الإمام، وذلك لأن قوله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) يقتضي وجوب الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن في الصلاة وغيرها، فإن قامت دلالة على جواز ترك الاستماع والإنصات في غيرها لم يبطل حكم دلالته في إيجابه ذلك فيها.
وكما دلت الآية على النهي عن القراءة خلف الإمام فيما يجهر به فهي دالة على النهي فيما يخفى، لأنه أوجب الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن ولم يشترط فيه حال الجهر من الإخفاء فإذا جهر فعلينا الاستماع والإنصات وإذا أخفى فعلينا الإنصات بحكم اللفظ لعلمنا به قارئ للقرآن.
وقد اختلف الفقهاء في القراءة خلف الإمام، فقال أصحابنا وابن سيرين وابن أبي ليلى والثوري والحسن بن صالح: " لا يقرأ فيما جهر ". وقال الشافعي: " يقرأ فيما جهر وفيما أسر ". وقال مالك: " يقرأ فيما أسر ولا يقرأ فيما جهر ". وقال الشافعي: " يقرأ فيما
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»