ولم يعرف أبو حنيفة معنى دهرا فلم يجب فيه بشيء. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في بعض ألفاظه: " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر "، فتأوله أهل العلم على أن أهل الجاهلية كانوا ينسبون الحوادث المجحفة والبلايا النازلة والمصائب المتلفة إلى الدهر، فيقولون فعل الدهر بنا وصنع بنا، ويسبون الدهر كما قد جرت عادة كثير من الناس بأن يقولوا: أساء بنا الدهر، ونحو ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا فاعل هذه الأمور فإن الله هو فاعلها ومحدثها. وأصل هذا الحديث ما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا محمد بن الصباح قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله تعالى يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار "، قال ابن السرح: عن ابن المسيب مكان سعيد، فقوله: " وأنا الدهر " منصوب بأنه ظرف للفعل، كقوله تعالى: أنا أبدا بيدي الأمر أقلب الليل والنهار، وكقول القائل: أنا اليوم بيدي الأمر أفعل كذا وكذا، ولو كان مرفوعا كان الدهر اسما لله تعالى وليس كذلك، لأن أحدا من المسلمين لا يسمي الله بهذا الاسم. وحدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله يقول: لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر، فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما ". فهذان هما أصل الحديث في ذلك، والمعنى ما ذكرنا، وإنما غلط بعض الرواة فنقل المعنى عنده فقال: لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر، وأما قوله في الحديث الأول: " يؤذيني ابن آدم يسب الدهر " فإن الله تعالى لا يلحقه الأذى ولا المنافع والمضار، وإنما هو مجاز معناه: يؤذي أوليائي، لأنهم يعلمون أن الله هو الفاعل لهذه الأمور التي ينسبها الجهال إلى الدهر، فيتأذون بذلك كما يتأذون بسماع سائر ضروب الجهل والكفر، وهو كقوله: (إن الذين يؤذون الله ورسوله)، ومعناه: يؤذون أولياء الله. آخر سورة حم الجاثية.
(٥١٦)