أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٥٢٠
وقد اختلف السلف في ذلك، حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج عن مبارك بن فضالة عن الحسن أنه كره قتل الأسير وقال: " من عليه أو فاده ". وحدثنا جعفر قال: حدثنا جعفر قال:
حدثنا أبو عبيد قال: أخبرنا هشيم قال: أخبرنا أشعث قال: سألت عطاء عن قتل الأسير، فقال: " من عليه أو فاده "، قال: وسألت الحسن، قال: " يصنع به ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسارى بدر، يمن عليه أو يفادي به ". وروي عن ابن عمر أنه دفع إليه عظيم من عظماء إصطخر ليقتله، فأبى أن يقتله وتلا قوله: (فإما منا بعد وإما فداء). وروي أيضا عن مجاهد ومحمد بن سيرين كراهة قتل الأسير. وقد روينا عن السدي أن قوله: (فإما منا بعد وإما فداء) منسوخ بقوله: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) [التوبة: 5]، وروي مثله عن ابن جريج، حدثنا جعفر قال: حدثنا جعفر قال: حدثنا أبو عبيد قال:
حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: " هي منسوخة " وقال: " قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط يوم بدر صبرا ".
قال أبو بكر: اتفق فقهاء الأمصار على جواز قتل الأسير لا نعلم بينهم خلافا فيه، وقد تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في قتله الأسير، منها قتله عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث بعد الأسر يوم بدر، وقتل يوم أحد أبا عزة الشاعر بعد ما أسر، وقتل بني قريظة بعد نزولهم على حكم سعد بن معاذ فحكم فيهم بالقتل وسبى الذرية ومن على الزبير بن باطا من بينهم، وفتح خيبر بعضها صلحا وبعضها عنوة، وشرط على ابن أبي الحقيق أن لا يكتم شيئا فلما ظهر على خيانته وكتمانه قتله، وفتح مكة وأمر بقتل هلال بن خطل ومقيس بن حبابة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح وآخرين وقال: " اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة " ومن على أهل مكة ولم يغنم أموالهم. وروي عن صالح بن كيسان عن محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن بن عوف أنه سمع أبا بكر الصديق يقول: " وددت أني يوم أتيت بالفجاءة لم أكن أحرقته وكنت قتلته صريحا أو أطلقته نجيحا ". وعن أبي موسى أنه قتل دهقان السوس بعد ما أعطاه الأمان على قوم سماهم ونسي نفسه فلم يدخلها في الأمان فقتله. فهذه آثار متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة في جواز قتل الأسير وفي استبقائه. واتفق فقهاء الأمصار على ذلك، وإنما اختلفوا في فدائه، فقال أصحابنا جميعا: " لا يفادى الأسير بالمال ولا يباع السبي من أهل الحرب فيردوا حربا ". وقال أبو حنيفة: " لا يفادون بأسرى المسلمين أيضا ولا يردون حربا أبدا ". وقال أبو يوسف ومحمد: " لا بأس أن يفادى أسرى المسلمين بأسرى المشركين "، وهو قول الثوري والأوزاعي. وقال الأوزاعي: " لا بأس ببيع السبي من أهل الحرب
(٥٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 515 516 517 518 519 520 521 522 523 524 525 ... » »»