أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٥١٣
الحلية). وروى نافع عن سعيد عن أبي هند عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لبس الحرير والذهب حرام على ذكور أمتي حلال لإناثها ". وروى شريك عن العباس بن زريح عن البهي عن عائشة قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو يمص الدم عن شجة بوجه أسامة ويمجه: " لو كان أسامة جارية لحليناه، لو كان أسامة جارية لكسوناه لننفقه ". وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأتين عليهما أسورة من ذهب، فقال: " أتحبان أن يسوركما الله بأسورة من نار؟ " قالتا: لا، قال: " فأديا حق هذا! ". وقالت عائشة: " لا بأس بلبس الحلي إذا أعطى زكاته ". وكتب عمر إلى أبي موسى أن مر من قبلك من نساء المؤمنين أن يصدقن من الحلي. وروى أبو حنيفة عن عمرو بن دينار أن عائشة حلت أخواتها الذهب، وأن ابن عمر حلى بناته الذهب. وقد روى خصيف عن مجاهد عن عائشة قالت: لما نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الذهب قلنا:
يا رسول الله أو نربط المسك بشيء من الذهب؟ قال: " أفلا تربطونه بالفضة ثم تلطخونه بشيء من زعفران فيكون مثل الذهب! ". وروى جرير عن مطرف عن أبي هريرة قال:
كنت قاعدا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأتته امرأة فقالت: يا رسول الله سواران من ذهب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " سواران من نار " فقالت: قرطان من ذهب، قال: " قرطان من نار "، قالت:
طوق من ذهب، قال: " طوق من نار "، قالت: يا رسول الله إن المرأة إذا لم تتزين لزوجها صلفت عنده، فقال: " ما يمنعكن أن تجعلن قرطين من فضة تصفرينه بعنبر أو زعفران فإذا هو كالذهب ".
قال أبو بكر: الأخبار الواردة في إباحته للنساء عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة أظهر وأشهر من أخبار الحضر، ودلالة الآية ظاهرة في إباحته للنساء، وقد استفاض لبس الحلي للنساء منذ لدن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة إلى يومنا هذا من غير نكير من أحد عليهن، ومثل ذلك لا يعترض عليه بأخبار الآحاد.
قوله تعالى: (وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم مالهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون) يعني أن الكفار قالوا: لو شاء الله ما عبدنا الأصنام ولا الملائكة، وإنا إنما عبدناهم لأن الله قد شاء منا ذلك، فأكذبهم الله في قيلهم هذا وأخبر أنهم يخرصون ويكذبون بهذا القول في أن الله تعالى لم يشأ كفرهم، ونظيره قوله: (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذي من قبلهم) [الأنعام: 148]، أخبر فيه أنهم مكذبون لله ولرسوله بقولهم لو شاء الله ما أشركنا، وأبان به أن الله قد شاء أن لا يشركوا. وهذا كله يبطل مذهب الجبر الجهمية.
قوله تعالى: (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة) إلى قوله: (قل أو لو جئتكم
(٥١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 508 509 510 511 512 513 514 515 516 517 518 ... » »»