في هذه المسألة في شرح مختصر الطحاوي.
وقوله: (وسلموا تسليما) يحتج به أصحاب الشافعي في إيجاب فرض السلام في آخر الصلاة. ولا دلالة فيه على ما ذكروا لأنه لم يذكر الصلاة، فهو على نحو ما ذكرنا في الصلاة عليه. ويحتجون به أيضا في فرض التشهد، لأن فيه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا دلالة فيه على ما ذهبوا إليه، إذ لم يذكر السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يريد به تأكيد الفرض في الصلاة عليه بتسليمهم لأمر الله إياهم بها كقوله: (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) [النساء: 65]. قال أبو بكر: قد ذكر الله تعالى في كتابه اسمه وذكر نبيه صلى الله عليه وسلم، فأفرد نفسه بالذكر ولم يجمع الاسمين تحت كناية واحدة، نحو قوله: (والله ورسوله أحق أن يرضوه) [التوبة: 62]. ولم يقل يرضوهما، لأن اسم الله واسم غيره لا يجتمعان في كناية. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب بين يديه رجل فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " قم فبئس خطيب القوم أنت " لقوله: ومن يعصهما.
فإن قيل: فقد قال الله تعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي) [الأحزاب:
56] فجمع اسمه واسم ملائكته في الضمير. قيل له: إنما أنكرنا جمعهما في كناية يكون اسما لهما نحو الهاء التي هي كناية عن الاسم، فأما الفعل الذي ليس باسم ولا كناية عنه وإنما فيه الضمير فلا يمتنع ذلك فيه، وقد قيل أيضا في هذا الموضع إن قوله: (يصلون) [الأحزاب: 56] ضمير الملائكة دون اسم الله تعالى، وصلاة الله على النبي مفهومة من الآية من جهة المعنى كقوله: (انفضوا إليها) [الجمعة: 11] رد الكناية إلى التجارة دون اللهو لأنه مفهوم من جهة المعنى، وكذلك قوله: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) [التوبة: 34] المذكور في ضمير النفقة هو الفضة والذهب مفهوم من جهة المعنى.
قوله تعالى: (إن الذين يؤذون الله ورسوله) يعني: يؤذون أولياء الله ورسوله، وذلك لأن الله لا يجوز أن يلحقه الأذى، فأطلق ذلك مجازا، لأن المعنى مفهوم عند المخاطبين كما قال: (واسأل القرية) [يوسف: 82] والمعنى: أهل القرية.
وقوله تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا)، قد قيل إنه أراد من أضمر ذكره في الآية الأولى من أولياء الله، فأظهر ذكرهم بعد الضمير وبين أنهم المرادون بالضمير وأخبر عن احتمالهم البهتان والاسم اللذين بهما يستحقون ما ذكر في الآية الأولى من اللعن والعذاب.
قوله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من