للفعل، فلم يخبرهم الله تعالى عن وقتها ليكون العباد على حذر منه فيكون ذلك أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية. والمرسى مستقر الشئ الثقيل، ومنه الجبال الراسيات يعني الثابتات، ورسيت أي السفينة إذا ثبتت في مستقرها، وأرساها غيرها أثبتها. قال ابن عباس: " كان السائلون عن الساعة قوم من اليهود ". وقال الحسن وقتادة: " سألت عنها قريش ".
قوله تعالى: (لا تأتيكم إلا بغتة) قال قتادة: غفلة، وذلك أشدها.
وقوله تعالى: (ثقلت في السماوات والأرض)، قال السدي وغيره: " ثقل علمها على أهل السماوات والأرض فلم يطيقوه إدراكا له "، وقال الحسن: " عظم وصفها على أهل السماوات والأرض من انتثار النجوم وتكوير السماوات وتسيير الجبال ". وقال قتادة:
" ثقلت على السماوات فلا تطيقها لعظمها ".
وقوله تعالى: (يسألونك كأنك حفي عنها). قال مجاهد والضحاك ومعمر:
" كأنك عالم بها "، وعن ابن عباس والحسن وقتادة والسدي: " يسألونك عنها كأنك حفي بهم على التقديم والتأخير، أي كأنك لطيف ببرك إياهم، من قوله: (إنه كان بي حفيا) [مريم: 47]. ويقال إن أصل الحفا الإلحاح في الأمر، يقال: أحفى فلان فلانا إذا ألح في الطلب منه، وأحفى السؤال إذا ألح فيه، ومنه أحفى الشارب إذا استأصله واستقصى في أخذه، ومنه الحفا وهو أن يتسحج قدمه لإلحاح المشي بغير نعل، والحفي اللطيف تبرك لإلحاحه بالبر لك، و (حفي عنها) بمعنى عالم بها لإلحاحه بطلب علمها.
مطلب: في بطلان قول من يدعي العلم ببقاء مدة الدنيا وفي هذه الآية دليل على بطلان قول من يدعي العلم ببقاء مدة الدنيا، ويستدل بما روي أن الدنيا سبعة آلاف سنة، وأن الباقي منها من وقت مبعث النبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة سنة، لأنه لو كان كذلك لكان وقت قيام الساعة معلوما، وقد أخبر الله تعالى أن علمها عنده وأنه لا يجليها لوقتها إلا هو، وأنها تأتي بغتة لم يتقدم لهم علم بها قبل كونها لأن ذلك معنى البغتة. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبار في بقاء مدة الدنيا وليس فيها تحديد للوقت، مثل قوله: " بعثت والساعة كهاتين " وأشار بالسبابة والوسطى، ونحو قوله فيما رواه شعبة وغيره عن علي بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطبة بعد العصر إلى مغيب الشمس قال: " ألا إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى إلا كما بقي من هذه الشمس إلى أن تغيب ". وما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أجلكم في أجل من مضى قبلكم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس " ونحوها من الأخبار ليس