أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٤٦
فهذا السؤال ساقط. وقيل توبة موسى إنما كانت من التقدم بالمسألة قبل الإذن فيها، ويحتمل أن يكون ذكر التوبة على وجه التسبيح على ما جرت عادة المسلمين بمثله عند ظهور دلائل الآيات الداعية إلى التعظيم قوله تعالى: (فلما تجلى ربه للجبل)، فإن التجلي على وجهين: ظهور بالرؤية أو الدلالة، والرؤية مستحيلة في الله تعالى فهو ظهور آياته التي أحدثها لحاضري الجبل وقيل: إنه أبرز من ملكوته للجبل ما يدكدك به، لأن في حكمه تعالى أن الدنيا لا تقوم لما يبرز من الملكوت الذي في السماء، كما روي أنه أبرز قدر الخنصر من العرش.
وقوله تعالى: (وأمر قومك يأخذوا بأحسنها) قيل: بأحسن ما كتب فيه، وهو الفرائض والنوافل دون المباح الذي لا حمد فيه ولا ثواب، وكذلك قوله: (فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) [الزمر: 18]. وقال بعض أهل العلم: أحسنها الناسخ دون المنسوخ المنهي عنه. وقد قيل إن هذا لا يجوز، لأن فعل المنسوخ المنهي عنه قبيح، فلا يقال الحسن أحسن من القبيح.
قوله تعالى: (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض) قيل إن معناه: عن آياتي من العز والكرامة بالدلالة التي تكسب الرفعة في الدنيا والآخرة، ويحتمل: صرفهم عن الاعتراض على آياتي بالإبطال أو بالمنع من الإظهار للناس. ولا يجوز أن يكون معناه: سأصرف عن الإيمان بآياتي، لأنه لا يجوز أن يأمر بالإيمان ثم يمنع منه إذ كان ذلك سفها وعبثا.
قوله تعالى: (أعجلتم أمر ربكم). قد قيل إن العجلة التقدم بالشئ قبل وقته، وسرعة عمله في أول أوقاته، ولذلك صارت العجلة مذمومة. وقد يكون تعجيل الشئ في وقته، كما روي: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجل الظهر في الشتاء ويبرد بها في الصيف ".
وقوله تعالى: (و أخذ برأس أخيه يجره إليه)، كان على وجه المعاتبة لا على وجه الإهانة، ولأن مثل هذه الأفعال تختلف أحكامها بالعادة، فلم تكن للعادة حينئذ فعله على وجه الإهانة. وقيل: إنه بمنزلة قبض الرجل منا عند غضبه على لحيته وعضه على شفته وإبهامه.
قوله تعالى: (فخلف من بعدهم خلف). قيل إن الأغلب في " خلف " بتسكين العين أنه للذم، وقال لبيد:
وبقيت في خلف كجلد الأجرب *
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»