الحسن بن أبي الربيع قال: أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في قوله تعالى:
(ترجي من تشاء منهن) قال: " كان ذلك حين أنزل الله أن يخيرهن "، قال الزهري: " وما علمنا رسول الله أرجى منهن أحدا، ولقد آواهن كلهن حتى مات صلى الله عليه وسلم ". قال معمر: وقال قتادة: " جعله الله في حل أن يدع من شاء منهن ويؤوي إليه من شاء، يعني قسما، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم "، قال معمر: وأخبرنا من سمع الحسن يقول: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب امرأة فليس لأحد أن يخطبها حتى يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يدعها، ففي ذلك نزلت: (ترجي من تشاء منهن) ". قال أبو بكر: وروى زكريا عن الشعبي: (ترجي من تشاء منهن) قال: " نساء كن وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأرجى بعضهن ودخل ببعض منهن أم شريك لم تتزوج بعده ". وقال مجاهد: (ترجي من تشاء منهن) قال: " ترجيهن من غير طلاق ولا تأتيهن ". وروى عاصم الأحول عن معاذة العدوية عن عائشة قالت:
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذننا في يوم إحدانا بعد ما أنزل: " ترجي من تشاء منهن) فقالت لها معاذة: فما كنت تقولين لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذن؟ قالت: كنت أقول إن كان ذلك إلي لم أوثر على نفسي أحدا ".
قال أبو بكر: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقسم بين نسائه ولم يذكر فيه تخصيص واحدة منهن بإخراجها من القسم، حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد الخطمي عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل ويقول: " اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك "، قال أبو داود: يعني القلب. وحدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن أبي الزناد - عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت عائشة: ابن أختي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندها، وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يا رسول الله يومي لعائشة، فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، قالت: نقول في ذلك أنزل الله تعالى وفي أشباهها، أراه قال: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا) [النساء: 128].
وروي عن عائشة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم استأذن نساءه في مرضه أن يكون عند عائشة، فأذن له ".
وهذا يدل على أنه قد كان يقسم لجميعهن، وهو أصح من حديث أبي رزين الذي ذكر فيه أنه أرجى جماعة من نسائه ثم لم يقسم لهن. وظاهر الآية يقتضي تخيير النبي صلى الله عليه وسلم في إرجاء من شاء منهن وإيواء من شاء، فليس يمتنع أن يختار إيواء الجميع إلا سودة فإنها رضيت بأن تجعل يومها لعائشة.