أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٤٧١
يسمعها الرجال. وفيه الدلالة على أن المرأة منهية عن الأذان، وكذلك قال أصحابنا.
وقال الله تعالى في آية أخرى: (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) [النور: 31]، فإذا كانت منهية عن إسماع صوت خلخالها فكلامها إذا كانت شابة تخشى من قبلها الفتنة أولى بالنهي عنه.
وقوله تعالى: (وقرن في بيوتكن)، روى هشام عن محمد بن سيرين قال: قيل لسودة بنت زمعة: ألا تخرجين كما تخرج أخواتك؟ قالت: والله لقد حججت واعتمرت ثم أمرني الله أن أقر في بيتي، فوالله لا أخرج! فما خرجت حتى أخرجوا جنازتها. وقيل إن معنى: (وقرن في بيوتكن) كن أهل وقار وهدوء وسكينة، يقال: وقر فلان في منزله يقر وقورا إذا هدأ فيه واطمأن به. وفيه الدلالة على أن النساء مأمورات بلزوم البيوت منهيات عن الخروج.
وقوله تعالى: (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى). روى ابن أبي نجيح عن مجاهد: (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) قال: " كانت المرأة تتمشى بين أيدي القوم فذلك تبرج الجاهلية ". وقال سعيد عن قتادة: (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى):
" يعني إذا خرجتن من بيوتكن " قال: " كانت لهن مشية وتكسر وتغنج فنهاهن الله عن ذلك ". وقيل: " هو إظهار المحاسن للرجال ". وقيل: " في الجاهلية الأولى ما قبل الاسلام، والجاهلية الثانية حال من عمل في الاسلام بعمل أولئك ". فهذه الأمور كلها مما أدب الله تعالى به نساء النبي صلى الله عليه وسلم صيانة لهن وسائر نساء المؤمنين مرادات بها.
وقوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت)، روي عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين. وقال عكرمة: " في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة "، ومن قال بذلك يحتج بأن ابتداء الآية ونسقها حتى في ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ألا ترى إلى قوله: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة)؟ وقال بعضهم:
" في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي أزواجه لاحتمال اللفظ للجميع ".
وقوله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) فيه الدلالة على أن أوامر الله تعالى وأوامر رسوله على الوجوب، لأنه قد نفى بالآية أن تكون لنا الخيرة في ترك أوامر الله وأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو لم يكن على الوجوب لكنا مخيرين بين الترك والفعل، وقد نفت الآية التخيير. وقوله تعالى: (ومن يعص الله ورسوله) في نسق ذكر الأوامر يدل على ذلك أيضا وأن تارك الأمر عاص لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم. فقد انتظمت الآية الدلالة على وجوب أوامر الله وأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم
(٤٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 466 467 468 469 470 471 472 473 474 475 476 ... » »»