أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٣٥
وإن افترقوا في غيره فليس منهم في شئ لأنه بريء من جميعه.
قوله تعالى: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) الحسنة اسم للأعلى في الحسن، لأن " الهاء " دخلت للمبالغة فتدخل الفروض والنوافل، ولا يدخل المباح وإن كان حسنا، لأن المباح لا يستحق عليه حمد ولا ثواب، ولذلك رغب الله في الحسنة وكانت طاعة، وكذلك الإحسان يستحق عليه الحمد. فأما الحسن فإنه يدخل فيه المباح، لأن كل مباح حسن، ولكنه ثواب فيه، فإذا دخلت عليه الهاء صارت اسما لا على الحسن وهي الطاعات.
قوله تعالى: (فله عشر أمثالها) معناه: في النعيم واللذة، ولم يرد به أمثالها في عظم المنزلة، وذلك لأن منزلة التعظيم لا يجوز أن يبلغها إلا بالطاعة، وهذه المضاعفة إنما هي بفضل الله غير مستحق عليها كما قال تعالى: (ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله) [فاطر: 30]، وغير جائز أن تساوي منزلة التفضيل منزلة الثواب في التعظيم، لأنه لو جاز ذلك لجاز أن يبتدئهم بها في الجنة من غير عمل، ولجاز أن يساوي بين المنعم بأعظم النعم وبين من لم ينعم.
قول تعالى: (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا).
قوله: (دينا قيما) يعني مستقيما، ووصفه بأنه ملة إبراهيم، والحنيف المخلص لعبادة الله تعالى، يروى ذلك عن الحسن. وقيل: أصله الميل، من قولهم: رجل أحنف إذا كان مائل القدم بإقبال كل واحدة منهما على الأخرى خلقة لا من عارض، فسمى المائل إلى الاسلام حنيفا لأنه لا رجوع معه. وقيل: أصله الاستقامة، وإنما جاء أحنف للمائل القدم على التفاؤل كما قيل للديغ سليم، وفي ذلك دليل على أن ما لم ينسخ من ملة إبراهيم عليه السلام فقد صارت شريعة لنبينا صلى الله عليه وسلم لإخباره بأن دينه ملة إبراهيم.
قوله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين). قال سعيد بن جبير وقتادة والضحاك والسدي: " نسكي: ديني في الحج والعمرة ". وقال الحسن: " نسكي: ديني ". وقال غيرهم: " عبادتي ". إلا أن الأغلب عليه هو الذبح الذي يتقرب به إلى الله تعالى، وقولهم: فلان ناسك، معناه عابد لله. وقد روى عبد الله بن أبي رافع عن علي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال: " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين " إلى قوله: " من المسلمين ". وروى أبو سعيد الخدري وعائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة ورفع يديه وقال: " سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك " والأول كان يقوله عندنا قبل أن ينزل: (وسبح بحمد ربك حين
(٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 ... » »»