أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٤١٠
على أن من كان في التحريم بمثابتهم فحكمه حكمهم، مثل زواج الابنة وأم المرأة والمحرمات من الرضاع ونحوهن. وروي عن سعيد بن جبير أنه سئل عن الرجل ينظر إلى شعر أجنبية، فكرهه وقال: ليس في الآية. قال أبو بكر: إنه وإن لم يكن في الآية فهو في معنى ما ذكر فيها من الوجه الذي ذكرنا، وهذا الذي ذكر من تحريم النظر في هذه الآية إلا ما خص منه إنما هو مقصور على الحرائر دون الإماء، وذلك لأن الإماء لسائر الأجنبيين بمنزلة الحرائر لذوي محارمهن فيما يحل النظر إليه، فيجوز للأجنبي النظر إلى شعر الأمة وذراعها وساقها وصدرها وثديها كما يجوز لذوي المحرم النظر إلى ذات محرمه، لأنه لا خلاف أن للأجنبي النظر إلى شعر الأمة. وروي أن عمر كان يضرب الإماء ويقول: " اكشفن رؤوسكن ولا تتشبهن بالحرائر "، فدل على أنهن بمنزلة ذوات المحارم. ولا خلاف أيضا أنه يجوز للأمة أن تسافر بغير محرم، فكان سائر الناس لها كذوي المحارم للحرائر حين جاز لهم السفر بهن، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا فوق ثلاث إلا مع ذي محرم أو زوج " فلما جاز للأمة أن تسافر بغير محرم علمنا أنها بمنزلة الحرة لذوي محرمها فيما يستباح النظر إليه منها. وقوله: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا فوق ثلاث إلا مع ذي محرم أو زوج " دال على اختصاص ذي المحرم باستباحة النظر منها إلى كل ما لا يحل للأجنبي، وهو ما وصفنا بديا. وروى منذر الثوري أن محمد ابن الحنفية كان يمشط أمه، وروى أبو البختري أن الحسن والحسين كانا يدخلان على أختهما أم كلثوم وهي تمشط، وعن ابن الزبير مثله في ذات محرم منه. وروي عن إبراهيم: أنه لا بأس أن ينظر الرجل إلى شعر أمه وأخته وخالته وعمته، وكره الساقين. قال أبو بكر: لا فرق بينهما في مقتضى الآية. وروى هشام عن الحسن في المرأة تضع خمارها عند أخيها قال: " والله ما لها ذلك ". وروى سفيان عن ليث عن طاوس: أنه كره أن ينظر إلى شعر ابنته و أخته.
وروى جرير عن مغيرة عن الشعبي: أنه كره أن يسدد الرجل النظر إلى شعر ابنته وأخته.
قال أبو بكر: وهذا عندنا محمول على الحال التي يخاف فيها أن تشتهى، لأنه لو حمل على الحال التي يأمن فيها الشهوة لكان خلاف الآية والسنة ولكان ذو محرمها والأجنبيون سواء. والآية أيضا مخصوصة في نظر الرجال دون النساء، لأن المرأة يجوز لها أن تنظر من المرأة إلى ما يجوز للرجل أن ينظر من الرجل وهو السرة فما فوقها وما تحت الركبة، والمحظور عليهن من بعضهن لبعض ما تحت السرة إلى الركبة.
وقوله تعالى: (أو نسائهن). روي أنه أراد نساء المؤمنات.
قوله: (أو ما ملكت أيمانهن)، تأوله ابن عباس وأم سلمة وعائشة أن للعبد أن
(٤١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 405 406 407 408 409 410 411 412 413 414 415 ... » »»