كله يدل على جواز النظر إلى وجهها وكفيها بشهوة إذا أراد أن يتزوجها، ويدل عليه أيضا قوله، (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن) [الأحزاب: 52]، ولا يعجبه حسنهن إلا بعد رؤية وجوههن. ويدل على أن النظر إلى وجهها بشهوة محظور قوله صلى الله عليه وسلم: " العينان تزنيان واليدان تزنيان والرجلان تزنيان ويصدق ذلك كله الفرج أو يكذبه ". وقول ابن مسعود في أن ما ظهر منها هو الثياب لا معنى له، لأنه معلوم أنه ذكر الزينة والمراد العضو الذي عليه الزينة، ألا ترى أن سائر ما تتزين به من الحلي والقلب والخلخال والقلادة يجوز أن تظهرها للرجال إذا لم تكن هي لابستها؟
فعلمنا أن المراد موضع الزينة، كما قال في نسق التلاوة بعد هذا: (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن)، والمراد موضع الزينة، فتأويلها على الثياب لا معنى له إذ كان ما يرى الثياب عليها دون شيء من بدنها كما يراها إذا لم تكن لابستها.
قوله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن). روت صفية بنت شيبة عن عائشة أنها قالت: " نعم النساء نساء الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين وأن يسألن عنه، لما نزلت سورة النور عمدن إلى حجوز مناطقهن فشققنه فاختمرن به ". قال أبو بكر: قد قيل إنه أراد جيب الدروع، لأن النساء كن يلبسن الدروع ولها جيب مثل جيب الدراعة فتكون المرأة مكشوفة الصدر والنحر إذا لبستها، فأمرهن الله بستر ذلك الموضع بقوله: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن)، وفي ذلك دليل على أن صدر المرأة ونحرها عورة لا يجوز للأجنبي النظر إليهما منها.
قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن) الآية. قال أبو بكر: ظاهره يقتضي إباحة إبداء الزينة للزوج ولمن ذكر معه من الآباء وغيرهم، ومعلوم أن المراد موضع الزينة وهو الوجه واليد والذراع لأن فيها السوار والقلب، والعضد وهو موضع الدملج، والنحر والصدر موضع القلادة، والساق موضع الخلخال، فاقتضى ذلك إباحة النظر للمذكورين في الآية إلى هذه المواضع وهي مواضع الزينة الباطنة، لأنه خص في أول الآية إباحة الزينة الظاهرة للأجنبيين وأباح للزوج وذوي المحارم النظر إلى الزينة الباطنة.
وروي عن ابن مسعود والزبير: " القرط والقلادة والسوار والخلخال ". وروى سفيان عن منصور عن إبراهيم (أو أبناء بعولتهن) قال: " ينظر إلى ما فوق الذراع من الأذن والرأس ". قال أبو بكر: لا معنى لتخصيص الأذن والرأس بذلك، إذ لم يخصص الله شيئا من مواضع الزينة دون شيء، وقد سوى في ذلك بين الزوج وبين من ذكر معه، فاقتضى عمومه إباحة النظر إلى مواضع الزينة لهؤلاء المذكورين كما اقتضى إباحتها للزوج. ولما ذكر الله تعالى مع الآباء ذوي المحارم الذين يحرم عليهم نكاحهن تحريما مؤبدا دل ذلك