أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٤٠٨
قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها). روي عن ابن عباس ومجاهد وعطاء في قوله: (إلا ما ظهر منها) قال: " ما كان في الوجه والكف، الخضاب والكحل "، وعن ابن عمر مثله، وكذلك عن أنس. وروي عن ابن عباس أيضا: " أنها الكف والوجه والخاتم ". وقالت عائشة: " الزينة الظاهرة: القلب والفتخة ". وقال أبو عبيدة: " الفتخة، الخاتم ". وقال الحسن: " وجهها وما ظهر من ثيابها ". وقال سعيد بن المسيب: " وجهها مما ظهر منها ". وروى أبو الأحوص عن عبد الله قال: " الزينة زينتان:
زينة باطنة لا يراها إلا الزوج الإكليل والسوار والخاتم، وأما الظاهرة فالثياب ". وقال إبراهيم: " الزينة الظاهرة الثياب ".
قال أبو بكر: قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) إنما أراد به الأجنبيين دون الزوج وذوي المحارم، لأنه قد بين في نسق التلاوة حكم ذوي المحارم في ذلك. وقال أصحابنا: المراد الوجه والكفان لأن الكحل زينة الوجه والخضاب والخاتم زينة الكف، فإذ قد أباح النظر إلى زينة الوجه والكف فقد اقتضى ذلك لا محالة إباحة النظر إلى الوجه والكفين. ويدل على أن الوجه والكفين من المرأة ليسا بعورة أيضا أنها تصلي مكشوفة الوجه واليدين، فلو كانا عورة لكان عليها سترهما كما عليها ستر ما هو عورة، وإذا كان كذلك جاز للأجنبي أن ينظر من المرأة إلى وجهها ويديها بغير شهوة، فإن كان يشتهيها إذا نظر إليها جاز أن ينظر لعذر مثل أن يريد تزويجها أو الشهادة عليها أو حاكم يريد أن يسمع إقرارها. ويدل على أنه لا يجوز له النظر إلى الوجه لشهوة قوله صلى الله عليه وسلم لعلي: " لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليس لك الآخرة "، وسأل جرير رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجاءة فقال: " اصرف بصرك " ولم يفرق بين الوجه وغيره، فدل على أنه أراد النظرة بشهوة، وإنما قال: " لك الأولى " لأنها ضرورة: " وليس لك الآخرة " لأنها اختيار. وإنما أباحوا النظر إلى الوجه والكفين وإن خاف أن يشتهي لما ذكرنا من الأعذار للآثار الواردة في ذلك، منها: ما روى أبو هريرة أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار فقال، له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا " يعني الصغر.
وروى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا خطب أحدكم فقدر على أن يرى منها ما يعجبه ويدعوه إليها فليفعل ". وروى موسى بن عبد الله بن يزيد عن أبي حميد وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا خطب أحدكم المرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها للخطبة ". وروى سليمان بن أبي حثمة عن محمد بن سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وروى عاصم الأحول عن بكير بن عبد الله عن المغيرة بن شعبة قال: خطبنا امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " نظرت إليها؟ " فقلت: لا، فقال: " انظر فإنه لأجدر أن يؤدم بينكما ". فهذا
(٤٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 403 404 405 406 407 408 409 410 411 412 413 ... » »»