الثلث للأكل والثلث للادخار والثلث للبائس الفقير. وفي قوله تعالى: (فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير) دلالة على حظر بيعها، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: " فكلوا وادخروا " وفي ذلك منع البيع. ويدل عليه ما روى سفيان عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي قال: أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنة وقال: " اقسم جلودها وجلالها ولا تعط الجازر منها شيئا فإنا نعطيه من عندنا ". فمنع النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطى منها أجرة الجازر، وفي ذلك منع من البيع، لأن إعطاء الجازر ذلك من أجرته هو على وجه البيع. ولما جاز الأكل منها دل على جواز الانتفاع بجلودها من غير جهة البيع، ولذلك قال أصحابنا: " يجوز الانتفاع بجلد الأضحية "، وروي ذلك عن عمر وابن عباس وعائشة. وقال الشعبي: كان مسروق يتخذ مسك أضحيته مصلى فيصلي عليه. وعن إبراهيم وعطاء وطاوس والشعبي: أنه ينتفع به.
قال أبو بكر: ولما منع النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطى الجازر من الهدي شيئا في جزارتها وقال: " إنا نعطيه من عندنا " دل ذلك على معنيين، أحدهما: أن المحظور من ذلك أن يعطيه منها على وجه الأجرة لأن في بعض ألفاظ حديث علي: " وأمرني أن لا أعطي أجر الجزار منها " وفي بعضها: " أن لا أعطيه في جزارتها منها شيئا " فدل على أنه جائز أن يعطي الجزار من غير أجرته كما يعطي سائر الناس. وفي دليل على جواز الإجارة على نحر البدن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " نحن نعطيه من عندنا " وهو أصل في جواز الإجارة على كل عمل معلوم. وأجاز أصحابنا الإجارة على ذبح شاة، ومنع أبو حنيفة الإجارة على قتل رجل بقصاص، والفرق بينها أن الذبح عمل معلوم والقتل مبهم غير معلوم ولا يدرى أيقتله بضربة أو ضربتين أو أكثر.
قوله تعالى: (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم). روى عبد الملك عن عطاء عن ابن عباس قال: " التفث الذبح والحلق والتقصير وقص الأظفار والشارب ونتف الإبط ".
وروى عثمان بن الأسود عن مجاهد مثله، وكذلك عن الحسن وأبي عبيدة. وقال ابن عمر وسعيد بن جبير في قوله: (تفثهم) قال: " المناسك ". وروى أشعث عن الحسن قال:
" نسكهم ". وروى حماد بن سلمة عن قيس عن عطاء: (ثم ليقضوا تفثهم) قال: " الشعر والأظفار ". وقيل: " التفث قشف الإحرام وقضاؤه بحلق الرأس والاغتسال ونحوه ".
قال أبو بكر: لما تأول السلف قضاء التفث على ما ذكرنا دل ذلك على أن من قضائه حلق الرأس، لأنهم تأولوه عليه، ولولا أن ذلك اسم له لما تأولوه عليه، إذ لا يسوغ التأويل على ما ليس اللفظ عبارة عنه، وذلك دليل على وجوب الحلق لأن الأمر على الوجوب، فيبطل قول من قال إن الحلق ليس بنسك في الإحرام. ومن الناس من