أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٢٥٣
سورة بني إسرائيل بسم الله الرحمن الرحيم قوله عز وجل: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام). روي عن أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به من بيتها تلك الليلة فقال تعالى: (من المسجد الحرام) لأن الحرم كله مسجد، وقد تقدم ذكر ذلك فيما سلف. وقال الحسن وقتادة: معناه كان في المسجد نفسه فأسري به.
قوله عز وجل: (وإن أسأتم فلها) قيل: معناه فإليها، كما يقال: أحسن إلى نفسه وأساء إلى نفسه، وحروف الإضافة يقع بعضها موضع بعض إذا تقاربت، وقال تعالى:
(بأن ربك أوحى لها) [الزلزلة: 5] والمعنى: أوحى إليها.
قوله تعالى: (فمحونا آية الليل) يعني جعلناها لا يبصر بها كما لا يبصر بما يمحى من الكتاب، وهو في نهاية البلاغة. وقال ابن عباس: " محونا آية الليل: السواد الذي في القمر ".
قوله تعالى: (وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه) قيل: إنما أراد به عمله من خير أو شر على عادة العرب في الطائر الذي يجيء من ذات اليمين فيتبرك به والطائر الذي يجيء من ذات الشمال فيتشأم به، فجعل الطائر اسما للخير والشر جميعا فاقتصر على ذكره دون ذكر كل واحد منهما على حياله لدلالته على المعنيين، وأخبر أنه في عنقه كالطوق الذي يحيط به ويلازمه مبالغة في الوعظ والتحذير واستدعاء إلى الصلاح وزجرا عن الفساد.
قوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) قيل: فيه وجهان، أحدهما: أنه لا يعذب فيما كان طريقه السمع دون العقل إلا بقيام حجة السمع فيه من جهة الرسول، وهذا يدل على أن من أسلم من أهل الحرب ولم يسمع بالصلاة والزكاة ونحوها من
(٢٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 ... » »»