الشرائع السمعية إنه لا يلزمه قضاء شيء منها إذا علم لأنه لم يكن لازما له إلا بعد قيام حجة السمع عليه، وبذلك وردت السنة في قصة أهل قبا حين أتاهم آت أن القبلة قد حولت وهم في الصلاة فاستداروا إلى الكعبة ولم يستأنفوا لفقد قيام الحجة عليهم بنسخ القبلة، وكذلك قال أصحابنا فيمن أسلم في دار الحرب ولم يعلم بوجوب الصلاة عليه إنه لا قضاء عليه فيما ترك، قالوا: ولو أسلم في دار الاسلام ولم يعلم بفرض الصلاة عليه فعليه القضاء استحسانا، والقياس أن يكون مثل الأول لعدم قيام حجة السمع عليه، وحجة الاستحسان إنه قد رأى الناس يصلون في المساجد بأذان وإقامة وذلك دعاء إليها فكان ذلك بمنزلة قيام الحجة عليه ومخاطبة المسلمين إياه بلزوم فرضها، فلا يسقطها عنه تضييعه إياها. والوجه الثاني: أنه لا يعذب عذاب الاستيصال إلا بعد قيام حجة السمع بالرسول، وأن مخالفة موجبات أحكام العقول قبل ورود السمع من جهة الرسول لا توجب في حكم الله عذاب الاستيصال.
قوله تعالى: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها). قال سعيد: " أمروا بالطاعة فعصوا ". وعن عبد الله قال: " كنا نقول للحي إذا كثروا في الجاهلية قد أمر بنو فلان ".
وعن الحسن وابن سيرين وأبي العالية وعكرمة ومجاهد: (أمرنا) " أكثرنا ". ومعناه على هذا إنا إذا كان في معلومنا إهلاك قرية أكثرنا مترفيها، وليس المعنى وجود الإرادة منه لإهلاكهم قبل المعصية، لأن الإهلاك عقوبة والله تعالى لا يجوز أن يعاقب من لم يعص، وهو كقوله تعالى: (جدارا يريد أن ينقض) [الكهف: 77] ليس المعنى وجود الإرادة منه وإنما هو أنه في المعلوم أنه سينقض. وخص المترفين بالذكر لأنهم الرؤساء ومن عداهم تبع لهم، وكما أمر فرعون وقومه تبع لهم، وكما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر: " أسلم وإلا فعليك إثم الأريسين " وكتب إلى كسرى: " فإن لم تسلم فعليك إثم الأكارين ".
قوله تعالى: (من القرون) روي عن عبد الله بن أبي أوفى: أن القرن مائة وعشرون سنة. وقال محمد بن القاسم المازني: مائة سنة. وقيل: القرن أربعون سنة.
قوله تعالى: (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) العاجلة الدنيا، كقوله: (كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة) [القيامة: 20 و 21] أخبر الله تعالى أن من كان همه مقصورا على طلب الدنيا دون الآخرة عجل له منها ما يريد، فعلق ما يؤتيه منها بمعنيين، أحدهما قوله: (عجلنا له فيها ما نشاء) فلذلك استثنى في المعطى، وذلك يتضمن مقداره وجنسه وإدامته أو قطعه، ثم أدخل عليه استثناء آخر فقال: (لمن نريد) فلذلك استثنى في المعطين وأنه لا يعطي الجميع ممن يسعى للدنيا بل يعطي من شاء منهم ويحرم من شاء، فأدخل على إرادة العاجلة في إعطاء المريد منها