شاذ، وإنما الإستعاذة قبل القراءة لنفي وساوس الشيطان عند القراءة، قال الله تعالى:
(وما أرسلنا من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان) [الحج: 52] فإنما أمر الله بتقديم الإستعاذة قبل القراءة لهذه العلة. والاستعاذة ليست بفرض، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمها الأعرابي حين علمه الصلاة، ولو كانت فرضا لم يخله من تعليمها.
قوله تعالى: (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان).
روى معمر عن عبد الكريم عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) قال: أخذ المشركون عمارا وجماعة معه فعذبوهم حتى قاربوهم في بعض ما أرادوا، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كيف كان قلبك؟ " قال: مطمئن بالإيمان، قال: " فإن عادوا فعد ". قال أبو بكر: هذا أصل في جواز إظهار كلمة الكفر في حال الإكراه، والإكراه المبيح لذلك هو أن يخاف على نفسه أو بعض أعضائه التلف إن لم يفعل ما أمره به، فأبيح له في هذه الحال أن يظهر كلمة الكفر ويعارض بها غيره إذا خطر ذلك بباله، فإن لم يفعل ذلك مع خطوره بباله كان كافرا. قال محمد بن الحسن: " إذا أكرهه الكفار على أن يشتم محمدا صلى الله عليه وسلم فخطر بباله أن يشتم محمدا آخر غيره فلم يفعل وقد شتم النبي صلى الله عليه وسلم كان كافرا، وكذلك لو قيل له لتسجدن لهذا الصليب فخطر بباله أن يجعل السجود لله فلم يفعل وسجد للصليب كان كافرا، فإن أعجلوه عن الروية ولم يخطر بباله شيء، وقال: ما أكره عليه أو فعل لم يكن كافرا إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان ". قال أبو بكر: وذلك لأنه إذا خطر بباله ما ذكرنا فقد أمكنه أن يفعل الشتيمة لغير النبي صلى الله عليه وسلم، إذا لم يكن مكرها على الضمير وإنما كان مكرها على القول وقد أمكنه صرف الضمير إلى غيره فمتى لم يفعله فقد اختار إظهار الكفر من غير إكراه فلزمه حكم الكفر. وقوله صلى الله عليه وسلم لعمار: " إن عادوا فعد " إنما هو على وجه الإباحة لا على جهة الإيجاب ولا على الندب، وقال أصحابنا: الأفضل أن لا يعطى التقية ولا يظهر الكفر حتى يقتل وإن كان غير ذلك مباحا له، وذلك لأن خبيب بن عدي لما أراد أهل مكة أن يقتلوه لم يعطهم التقية حتى قتل فكان عند النبي صلى الله عليه وسلم وعند المسلمين أفضل من عمار في إعطائه التقية، ولأن في ترك إعطاء التقية إعزازا للدين وغيظا للمشركين، فهو بمنزلة من قاتل العدو حتى قتل، فحظ الإكراه في هذا الموضع اسقاط المأثم عن قائل هذا القول حتى يكون بمنزلة من لم يقل.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ".
فجعل المكره كالناسي والمخطىء في اسقاط المأثم عنه، فلو أن رجلا نسي أو أخطأ فسبق لسانه بكلمة الكفر لم يكن عليه فيها مأثم ولا تعلق بها حكم.