أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٢٤٢
لا يستحق الأجر إن خدمه لأنها مستحقة عليه بغير الإجارة.
قوله تعالى: (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء) روي عن ابن عباس وقتادة: " أنه مثل ضرب للكافر الذي لا خير عنده والمؤمن الذي يكتسب الخير "، وقال الحسن ومجاهد: " هو مثل ضرب لعبادتهم الأوثان التي لا تملك شيئا والعدول عن عبادة الله الذي يملك كل شيء ".
قال أبو بكر: قد حوت هذه الآية ضروبا من الدلالة على أن العبد لا يملك، أحدها: قوله: (عبدا مملوكا) نكرة، فهو شائع في جنس العبيد، كقول القائل: لا تكلم عبدا وأعط هذا عبدا، أن ذلك ينتظم كل من يسمى بهذا الاسم، وكذلك قوله: (يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة) [البلد: 15 و 16]، فكل من لحقه هذا الاسم قد انتظمه الحكم إذ كان لفظا منكورا، كذلك قوله: (عبدا مملوكا) قد انتظم سائر العبيد. ثم قال: (لا يقدر على شيء)، لا يخلو من أن يكون المراد نفي القدرة أو نفي الملك أو نفيهما، ومعلوم أنه لم يرد به نفي القدرة إذ كان العبد والحر لا يختلفان في القدرة من حيث اختلفا في الرق والحرية، لأن العبد قد يكون أقدر من الحر، فعلمنا أنه لم يرد به نفي القدرة، فثبت أنه أراد نفي الملك، فدل على أن العبد لا يملك. ووجه آخر: وهو أنه تعالى جعله مثلا للأصنام فشبهها بالعبيد المملوكين في نفي الملك، ومعلوم أن الأصنام لا تملك شيئا، فوجب أن يكون من ضرب المثل به لا يملك شيئا وإلا زالت فائدة ضرب المثل به، وكان يكون حينئذ ضرب المثل بالعبد الحر سواء. وأيضا لو أراد عبدا بعينه لا يملك شيئا وجاز أن يكون من العبيد من يملك لقال: ضرب الله مثلا رجلا لا يقدر على شيء، فلما خص العبد بذلك دل على أن وجه تخصيصه أنه ليس ممن يملك.
فإن قيل: روى إبراهيم عن عكرمة عن يعلى بن منية عن ابن عباس في هذه الآية:
أنها نزلت في رجل من قريش وعبده ثم أسلما، فنزلت الأخرى في رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء إلى قوله (صراط مستقيم)، قال: كان مولى لعثمان وكان عثمان يكفله وينفق عليه، الذي ينفق بالعدل وهو على صراط مستقيم، والآخر أبكم، وهذا يوجب أن يكون في عبد بعينه، وقد يجوز أن يكون في العبيد من لا يملك شيئا كما يكون في الأحرار من لا يملك. قيل له: هذه الرواية ضعيفة عن ابن عباس، وظاهر اللفظ ينفيها، لأنه لو أراد عبدا بعينه لعرفه بالألف واللام ولم يذكره بلفظ منكور. وأيضا معلوم أن الخطاب في ذكر عبدة الأوثان والاحتجاج عليهم، ألا ترى إلى قوله: (ويعبدون من دون الله مالا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون فلا تضربوا لله الأمثال) ثم قال: (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء) فأخبر أن مثل ما
(٢٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 ... » »»