أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٢٤٤
عن نافع عن ابن عمر: " أنه كان يرى بعض رقيقه يتخذ السرية فلا ينكر عليه ". وقال الحسن والشعبي: " يتسرى العبد بإذن سيده ". وروى أبو يوسف عن العلاء بن كثير عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العبد لا يتسرى "، وهذا يدل على أنه لا يملك لأنه لو ملك لجاز له التسري بقوله: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) [المؤمنون: 5 و 6]. ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: " من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع "، وذلك لأنه لما أن جعله للبائع أو للمشتري أخرج العبد منه صفرا بلا شيء. ويدل عليه أن للمولى أخذ ما في يده وهو أولى به منه لأجل ملكه لرقبته، فلو كان العبد ممن يملك لما كان له أخذ ما في يده، لأن ما بان به العبد عن مولاه فلا سبيل للمولى عليه فيه، ألا ترى أن العبد لما ملك طلاق امرأته ووطء زوجته فهي أمة للمولى لم يملكه المولى؟ وكذلك سائر ما يملكه العبد من نفسه لم يملكه المولى منه، فلو ملك العبد المال لما كان للمولى أخذه منه لأجل ملكه له كما لم يملك طلاق امرأته لأجل ملكه.
فإن قيل: جواز أخذ المولى ماله لا يدل على أنه غير مالك، لأن للغريم أن يأخذ ما في يد المدين بدينه ولم يدل على أن المدين غير مالك. قيل له: لأنه يأخذه لا لأنه مالك للمدين بل لأجل دينه الذي عليه، والمولى يستحقه لأجل ملكه لرقبته، فلو كان العبد مالكا لم يستحق المولى لأجل ملكه لرقبته كما لم يملك طلاق امرأته لأجل ملكه لرقبته، وفي ذلك دليل على أن العبد لا يملك. ودليل آخر: وهو أنه لا خلاف أن من كاتب عبده على مال فأداه أنه يعتق ويكون الولاء للمولى وأنه معتق على ملك مولاه، فلو كان ممن يملك لملك رقبته بالمال الذي أداه ولا ينتقل إليه كما ينتقل إلى غيره لو أمره بأن يعتقه عنه على مال ولو ملك رقبته لعتق على نفسه لكان لا يكون الولاء للمولى بل كان يكون ولاؤه لنفسه، فلما لم يصح انتقال ملك رقبته إليه بالمال وعتق على ملك المولى دل ذلك على أنه لا يملك، لأنه لو كان ممن يملك لكان بملك رقبته أولى إذ كانت رقبته مما يجوز فيه التمليك.
فإن قيل: قوله صلى الله عليه وسلم: " من باع عبدا وله مال فماله للبائع " يدل على أن العبد يملك، لإضافته المال إليه. قيل له: قد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم المال للبائع في حال البيع، ومعلوم أنه لا يجوز أن يكون ملكا للمولى وملكا للعبد لاستحالة أن يملك، وإلا لكان لكل واحد جميع المال، ففي هذا الخبر بعينه إثبات ما أضاف إلى العبد ملكا للبائع، فثبت أن إضافته إلى العبد على وجه اليد كما تقول: " هذه دار فلان " وهو ساكن فيها وليس بمالك، وكقوله صلى الله عليه وسلم: " أنت ومالك لأبيك " ولم يرد إثبات ملك الأب.
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»