فإن قيل: قد روى عبيد الله بن أبي جعفر عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أعتق عبدا فماله له إلا أن يشترط السيد ماله فيكون له "، وهذا يدل على أن العبد يملك، لأنه لو لم يملكه قبل العتق لم يملكه بعده. قيل له:
لا دلالة في هذا على أن العبد يملك، لأنه جائز أن يكون جريان العادة بأن ما على العبد من الثياب ونحو ذلك لا يؤخذ منه عند العتق، جعله كالمنطوق به وجعل ترك المولى لأخذه منه دلالة على أنه قد رضي منه بتمليكه إياه بعد العتق، وأيضا فقد روي عن جماعة من أهل النقل تضعيفه، وقد قيل إن عبيد الله بن أبي جعفر غلط في رفع هذا الحديث وفي متنه، وإن أصله ما رواه أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا أعتق عبدا لم يعرض لماله، فهذا هو أصل الحديث، فأخطأ عبيد الله في رفعه وفي لفظه.
وقد روي خلاف ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما رواه أبو مسلم الكجي قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثنا عبد الأعلى بن أبي المساور عن عمران بن عمير عن أبيه - قال: وكان مملوكا لعبد الله بن مسعود - قال له عبد الله: يا عمير بين لي مالك فإني أريد أن أعتقك، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أعتق عبدا فماله للذي أعتق ". وكذلك رواه يونس بن إسحاق عن عمران بن عمير عن ابن مسعود مرفوعا. وقد بلغنا أن المسعودي رواه موقوفا على ابن مسعود، وذلك لا يفسده عندنا.
فإن احتج محتج بقوله تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) [النور: 32]، وذلك عائد على جميع المذكورين من الأيامى والعبيد والإماء، فأثبت للعبد الغنى والفقر، فدل على أنه يملك إذ لو لم يملك لكان أبدا فقيرا. قيل له: لا يخلو قوله: (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) [النور: 32] من أن يكون المراد به الغنى بالوطء الحلال عن الحرام أو الغنى بالمال، فلما وجدنا كثيرا من المتزوجين لا يستغنون بالمال، ومعلوم أن مخبر أخبار الله لا محالة كائن على ما أخبر به، علمنا أنه لم يرد به الغني بالمال وإنما أراد الغني بالوطء الحلال عن الحرام. وأيضا فإنه إن أراد الغني بالمال فإنه مقصور على الأيامى والأحرار المذكورين في الآية دون العبيد الذين لا يملكون بما ذكرنا من الدليل. وأيضا فإن العبد لا يستغني بالمال عند مخالفنا، لأن المولى أولى بجميع ماله منه، فأي غنى في مال يحصل له وغيره أولى به منه، فالغنى في هذا الموضع إنما يحصل للمولى دون العبد.
والدليل على أن العبد لا يكون غنيا بالمال قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم "، وعند مخالفنا أنه لا يؤخذ من مال العبد، فلو كان غنيا لوجب في ماله الزكاة، إذ هو مسلم غني من أهل التكليف.