فإن قيل: لما كان العبد يملك الطلاق وجب أن يملك المال كالحر. قيل له: إنما ملك العبد الطلاق لأن المولى لا يملكه منه، فلو ملك العبد المال وجب أن لا يملك المولى منه وأن لا يجوز له أخذه منه لأن كل ما يملكه المولى من عبده فإن العبد لا يملكه منه، ألا ترى أن العبد المحجور عليه لو أقر بدين لم يلزمه في الرق ولو أقر المولى عليه به لزمه؟ وكذلك للمولى أن يزوج عبده وليس للعبد أن يزوج نفسه لما كان ذلك معنى يملكه المولى منه، ولو أقر المولى عليه بقصاص أو حد لم يلزمه لأن العبد يملك ذلك من نفسه، وفي ذلك دليل على أن العبد لا يملك إذ لو ملكه لما جاز للمولى أن يتصرف عليه في ماله كما لا يتصرف عليه في الطلاق حين كان العبد يملكه.
قوله تعالى: (ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين)، فيه الدلالة على جواز الانتفاع بما يؤخذ منها من ذلك بعد الموت، إذ لم يفرق بين أخذها بعد الموت وقبله.
مطلب: ما من حكم من أحكام الدين إلا وفي الكتاب تبيانه قوله تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء)، يعني به والله أعلم: تبيان كل شيء من أمور الدين بالنص والدلالة، فما من حادثة جليلة ولا دقيقة إلا ولله فيها حكم قد بينه في الكتاب نصا أو دليلا، فما بينه النبي صلى الله عليه وسلم فإنما صدر عن الكتاب بقوله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) [الحشر: 7]، وقوله تعالى:
(وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله) [الشورى: 52 و 53]، وقوله: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) [النساء: 80]، فما بينه الرسول فهو عن الله عز وجل وهو من تبيان الكتاب له لأمر الله إيانا بطاعته واتباع أمره، وما حصل عليه الاجماع فمصدره أيضا عن الكتاب لأن الكتاب قد دل على صحة حجة الاجماع وأنهم لا يجتمعون على ضلال، وما أوجبه القياس واجتهاد الرأي وسائر ضروب الاستدلال من الاستحسان وقبول خبر الواحد جميع ذلك من تبيان الكتاب، لأنه قد دل على ذلك أجمع، فما من حكم من أحكام الدين إلا وفي الكتاب تبيانه من الوجوه التي ذكرنا.
مطلب: هذه الآية دالة على صحة القول بالقياس وهذه الآية دالة على صحة القول بالقياس، وذلك لأنا إذا لم نجد للحادثة حكما منصوصا في الكتاب ولا في السنة ولا في الاجماع، وقد أخبر الله تعالى أن في الكتاب تبيان كل شئ من أمور الدين، ثبت أن طريقه النظر والاستدلال بالقياس على حكمه، إذ لم يبق هناك وجه يوصل إلى حكمها من غير هذه الجهة، ومن قال بنص خفي أو