أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٢٣٥
وجوده في حال الحمل وعدمه، وقوله: " لما قيل النساء لزم في ذلك العموم " لا معنى له، لأنه قال: (فاعتزلوا النساء في المحيض) [البقرة: 222]، وقوله: " في المحيض " ليس فيه بيان أن الحيض ما هو، ومتى ثبت المحيض وجب الاعتزال، وإنما اختلفا في أن الدم الخارج في وقت الحمل هل هو حيض أم لا، وقول الخصم لا يكون حجة لنفسه، وقوله: " إن الدم إذا خرج من فرجها فالحيض أولى به " دعوى مجردة من البرهان، ولخصمه أن يقول: إن الدم إذا خرج من فرجها فغير الحيض أولى به حتى يقوم الدليل على أنه حيض لوجودنا دما خارجا من الرحم غير حيض، فلم يحصل من جميع هذا الكلام إلا دعاوى مبنية بعضها على بعض وجميعها مفتقر إلى دليل يعضدها.
وقد روى مطر الوراق عن عطاء عن عائشة أنها قالت في الحامل ترى الدم: " إنها لا تدع الصلاة ". وروى حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد قال: لا يختلف فيه عندنا عن عائشة أنها كانت تقول في الحامل ترى الدم أنها تمسك عن الصلاة حتى تطهر، وهذا يحتمل أن تريد به الحامل التي في بطنها ولدان فولدت أحدهما أن النفاس من الأول وأنها تدع الصلاة حتى تطهر، على ما يقول أبو حنيفة وأبو يوسف في ذلك، حتى يصحح الخبرين جميعا عنها. وعند أصحابنا أن الحامل لا تحيض، وأن ما رأته من دم فهو استحاضة، وعند مالك والشافعي تحيض. فالحجة لقولنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس: " لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرئ بحيضة "، والإستبراء هو معرفة براءة الرحم، فلما جعل الشارع وجود الحيض علما لبراءة الرحم لم يجز وجوده مع الحبل، لأنه لو جاز وجوده معه لم يكن وجود الحيض علما لبراءة الرحم. ويدل عليه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم في طلاق السنة: " فليطلقها طاهرا من غير جماع أو حاملا قد استبان حملها "، فلو كانت الحامل تحيض لفصل بين جماعها وطلاقها بحيضة كغير الحامل، وفي إباحته صلى الله عليه وسلم إيقاع الطلاق على الحامل بعد الجماع من غير فصل بينه وبين الطلاق بحيضة دلالة على أنها لا تحيض. آخر سورة الرعد.
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 ... » »»