الحامل من الدم في حملها وهو نقصان من الولد، والزيادة ما زاد على تسعة أشهر وهو تمام النقصان وهو الزيادة ". وزعم إسماعيل بن إسحاق أن التفسير إن كان على ما روي عن مجاهد وعكرمة فهو حجة منه في أن الحامل تحيض، قال: " لأن كل دم يخرج من الرحم فليس يخلو من أن يكون حيضا أو نفاسا وأما دم الاستحاضة فهو من عرق ". وهذا الذي ذكره ليس بشيء، لأن الدم الخارج من الرحم قد يكون حيضا ونفاسا وقد يكون غيرهما، وقوله صلى الله عليه وسلم في دم الاستحاضة " إنه دم عرق " غير مانع أن يكون بعض ما يخرج من الرحم من الدم قد يكون دم استحاضة، لأنه صلى الله عليه وسلم قال: " إنما هو عرق انقطع أو داء عرض " فأخبر أن دم الاستحاضة قد يكون من داء عرض وإن لم يكن من عرق، وأيضا فما الذي يحيل أن يكون دم العرق خارجا من الرحم بأن ينقطع العرق فيسيل الدم إليها ثم يخرج فلا يكون حيضا ولا نفاسا؟ ثم قال: " فلا يقال إن الحامل لا تحيض إلا بخبر عن الله أو عن رسوله لأنه حكاية عن غيب ". ونسي أن قضيته توجب أن لا يقال إنها تحيض إلا بخبر عن الله وعن الرسول لأنه حكاية عن غيب على حسب موضوعه وقاعدته، بل قد يسوغ لمن نفى الحيض عن الحامل ما لا يسوغ لمن أثبته، لأنا قد علمنا أنها كانت غير حائض فإذا رأت الدم واختلفوا أنه حيض أو غير حيض وفي إثبات الحيض إثبات أحكام، فغير جائز إثباته حيضا إلا بتوقيف، وواجب أن تكون باقية على ما كانت عليه من عدم الحيض حتى يثبت الحيض بتوقيف أو اتفاق، إذ كان في إثبات الدم حيضا إثبات حكم لا سبيل إلى علمه إلا من طريق التوقيف. وأيضا فإن قولنا: " حيض " هو حكم لدم خارجا من الرحم، وقد يوجد الدم خارجا من الرحم على هيئة واحدة فيحكم لما رأته في أيامها بحكم الحيض ولما رأته في غير أيامها بحكم الاستحاضة، وكذلك النفاس. فإذا كان الحيض ليس بأكثر من إثبات أحكام لدم يوجد في أوقات ولم يكن الحيض عبارة عن الدم فحسب دون ما يتعلق به من الحكم وإثبات الحكم بخروج دم لا يعلم إلا من طريق التوقيف، فلم يجز أن يجعل هذا الحكم ثابتا لدم الحامل، إذ لم يرد به توقيف ولا حصل عليه اتفاق. ثم قال إسماعيل عطفا على قوله لا يقال إن الحامل لا تحيض إلا بخبر عن الله أو عن رسوله لأنه حكاية عن غيب: " ولا يلزم ذلك من قال أنها تحيض، لأن الله تعالى قد قال: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) [البقرة: 222]، فلما قيل: " النساء " لزم في ذلك العموم، لأن الدم إذا خرج من فرجها فالحيض أولى به حتى يعلم غيره ". قال أبو بكر: قوله: (ويسألونك عن المحيض) [البقرة: 222] ليس فيه بيان صفة الحيض بمعنى يتميز به عن غيره، وقوله تعالى (قل هو أذى) [البقرة: 222] إنما هو إخبار عما يتعلق بالمحيض من ترك الصلاة والصوم واجتناب الرجل جماعها وإخبار عن نجاسة دم الحيض ولزوم اجتنابه، ولا دلالة فيه على
(٢٣٤)