يكون جاء البأس من قبل الغار، فاتهم عمر الرجل وقال: عسى أن يكون الأمر جاء من قبلك في هذا الصبي اللقيط بأن يكون من مائك، فلما شهدوا له بالستر أمره بإمساكه وقال: ولاؤه لك. وجائز أن يريد بالولاء ههنا إمساكه والولاية عليه وإثبات هذا الحق له كما لو كان عبدا له فأعتقه، لأنه تبرع بأخذه وإحيائه والإحسان إليه، وقد أخبر عمر أنه حر فلا يخلو من أن يكون ذلك على وجه الإخبار بأنه حر الأصل ولا رق عليه أو إيقاع حرية عليه من قبله، ومعلوم أن عمر لم يملكه ولم يكن عبدا له فيعتقه، فعلمنا أنه أراد الإخبار بأنه حر لا يجرى عليه رق، وإذا كان حر الأصل لم يجز أن يثبت ولاؤه لإنسان، فعلمنا أنه أراد بقوله: " لك ولاؤه أي لك ولايته في الإمساك والحفظ. وما روي عن عمر وعائشة أنهما قالا في أولاد الزنا: " أعتقوهم وأحسنوا إليهم "، فإنما معناه: احكموا بأنهم أحرار. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه "، وذلك إخبار منه بوقوع العتاق بالملك لا يحتاج إلى استينافه. وقد روى المغيرة عن إبراهيم في اللقيط يجده الرجل قال: " إن نوى أن يسترقه كان رقيقا وإن نوى الحسبة عليه كان عتيقا ". وهذا لا معنى له لأنه إن كان حرا لم يصر رقيقا بنية الملتقط، وإن كان عبدا لم يصر عتيقا بنيته أيضا. وأيضا إن الأصل في الناس الحرية وهو الظاهر، ألا ترى أن من وجدناه يتصرف في دار الاسلام أنا نحكم بحريته ولا نجعله عبدا إلا ببينة تشهد بذلك أو بإقراره؟ وأيضا فإن اللقيط لا يخلو من أن يكون ولد حرة أو أمة، فإن كان ولد حرة فهو حر وغير جائز استرقاقه، وإن كان ولد أمة فهو عبد لغير الملتقط، فلا يجوز لنا أن نتملكه، ففي الوجوه كلها لا يجوز أن يكون اللقيط عبدا للملتقط. وأيضا فإن الرق طارئ والأصل الحرية، كشئ علمناه ملكا لإنسان وادعى غيره زواله إليه فلا نصدقه، لأنه يدعي معنى طارئا، كذلك حكم الملتقط فيما يثبت له من رق اللقيط. وأيضا لما كان لقطة المال لا توجب للملتقط ملكا فيها مع العلم بأنه ملك في الأصل، كان التقاط اللقيط الذي لا يعلم رقه أحرى أن لا يوجب للملتقط ملكا. وقد روى حماد بن سلمة عن عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب أن رجلا تزوج امرأة فولدت لأربعة أشهر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لها صداقها بما استحل من فرجها وولدها مملوك له "، وهو حديث شاذ غير معمول عليه، لأن أكثر ما فيه أنه ولد زنا إذا كان من حرة فهو حر، ولا خلاف بين الفقهاء في أن ولد الزنا واللقيط حران.
قوله تعالى: (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة)، قال الفراء: الثمن ما يثبت في الذمة بدلا من البياعات من الدراهم والدنانير. قال أبو بكر: ظاهر الكلام يدل عليه، لأنه سمى الدراهم ثمنا بقوله: (وشروه بثمن)، وقول الفراء مقبول من طريق اللغة، فإذا