أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٢٢٤
125] وترقب وقت الاستماع والقبول من الدعاء إلى سبيل الله بالحكمة، وإنما حكى الله ذلك لنا لنقتدي به فيه.
قوله تعالى: (وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه). الظن ههنا بمعنى اليقين، لأنه علم يقينا وقوع ما عبر عليه الرؤيا، وهو كقوله تعالى: (إني ظننت أني ملاق حسابيه) [الحاقه: 20] ومعناه: أيقنت. وقوله: (فأنساه الشيطان) هذه " الهاء " تعود على يوسف على ما روي عن ابن عباس، وقال الحسن وابن إسحاق: " على الساقي ". وفيه بيان أن لبثه في السجن بضع سنين إنما كان لأنه سأل الذي نجا منهما أن يذكره عند الملك، وكان ذلك منه على جهة الغفلة، فإن كان التأويل على ما قال ابن عباس أن الشيطان أنسى يوسف عليه السلام ذكر ربه - يعني ذكر الله تعالى - وأن الأولى كان في تلك الحال أن يذكر الله ولا يشتغل بمسألة الناجي منهما أن يذكره عند صاحبه، فصار اشتغاله عن الله تعالى في ذلك الوقت سببا لبقائه في السجن بضع سنين.
وإن كان التأويل أن الشيطان أنسى الساقي، فلأن يوسف لما سأل الساقي ذلك لم يكن من الله توفيق للساقي وخلاه ووساوس الشيطان وخواطره حتى أنساه ذكر ربه أمر يوسف.
وأما البضع فقال ابن عباس: " هو من الثلاث إلى العشر "، وقال مجاهد وقتادة: " إلى التسع "، وقال وهب: " لبث سبع سنين ".
قوله تعالى: (قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين)، فإنا قد علمنا أن الرؤيا كانت صحيحة ولم تكن أضغاث أحلام، لأن يوسف عليه السلام عبرها على سني الخصب والجدب، وهو يبطل قول من يقول إن الرؤيا على أول ما تعبر لأن القوم قالوا هي أضغاث أحلام ولم تقع كذلك، ويدل على فساد الرواية بأن الرؤيا على رجل طائر فإذا عبرت وقعت.
قوله تعالى: (وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك) الآية. يقال إن يوسف عليه السلام إنما لم يجبهم إلى الذهاب إلى الملك حتى رد الرسول إليه بأن يسأل عن النسوة اللاتي قطعن أيديهن لتظهر براءة ساحته، فيكون أجل في صدره عند حضوره وأقرب إلى قبول ما يدعوه إليه من التوحيد وقبول ما يشير به عليه.
قوله تعالى: (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب). قال: الحسن ومجاهد وقتادة والضحاك: هذا من قول يوسف، يقول: إني إنما رددت الرسول إليه في سؤال النسوة ليعلم العزيز أني لم أخنه بالغيب. وإن كان ابتداء الحكاية عن المرأة فإنه رد الكلام إلى الحكاية عن قول يوسف لظهور الدلالة على المعنى، وذلك نحو قوله: (وكذلك يفعلون) [النمل: 34] وقبله حكاية عن المرأة: (وجعلوا أعزة أهلها أذلة) [النمل:
(٢٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 ... » »»