ومن سورة يوسف بسم الله الرحمن الرحيم قوله عز وجل: (إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين)، فيه بيان صحة الرؤيا من غير الأنبياء لأن يوسف عليه السلام لم يكن نبيا في ذلك الوقت بل كان صغيرا، وكان تأويل الكواكب إخوته والشمس والقمر أبويه، وروي ذلك عن الحسن.
قوله تعالى: (لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا)، علم أنه إن قصها عليهم حسدوه وطلبوا كيده. وهو أصل في جواز ترك إظهار النعمة وكتمانه عند من يخشى حسده وكيده، وإن كان الله قد أمر بإظهاره بقوله تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث) [الضحى: 11).
قوله تعالى: (ويعلمك من تأويل الأحاديث) فإن التأويل ما يؤول إليه بمعنى ويرجع إليه، وتأويل الشيء هو مرجعه، وقال مجاهد وقتادة: " تأويل الأحاديث عبارة الرؤيا ". وقيل: " تأويل الأحاديث في آيات الله ودلائله على توحيده وغير ذلك من أمور دينه ".
قوله تعالى: (إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا) الآية. تفاوضوا فيما بينهم وأظهروا الحسد الذي كانوا يضمرونه لقرب منزلته عند أبيهم دونهم، وقالوا: (إن أبانا لفي ضلال مبين) يعنون عن صواب الرأي، لأنه كان أصغر منهم، وكان عندهم أن الأكبر أولى بتقديم المنزلة من الأصغر، ومع ذلك فإن الجماعة من البنين أولى بالمحبة من الواحد، وهو معنى قوله: (ونحن عصبة)، ومع أنهم كانوا أنفع له في تدبير أمر الدنيا لأنهم كانوا يقومون بأمواله ومواشيه، فذهبوا إلى أن اصطفاءه إياه بالمحبة دونهم وتقديمه عليهم ذهاب عن الطريق الصواب.
قوله تعالى: (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم) الآية، فإنهم تآمروا فيما بينهم على أحد هذين من قتل أو تبعيد له عن أبيه. وكان الذي استجازوا ذلك