وقوله تعالى: (قالت يا ويلتي ألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب)، فإنها مع علمها بأن ذلك في مقدور الله تعجبت بطبع البشرية قبل الفكر والروية، كما ولى موسى عليه السلام مدبرا حين صارت عصاه حية حتى قيل له: (أقبل ولا تخف إنك من الآمنين) [القصص: 31]، وإنما تعجبت لأن إبراهيم عليه السلام يقال إنه كان له في ذلك الوقت مائة وعشرون سنة ولسارة تسعون سنة.
قوله تعالى: (أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت)، يدل على أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته، لأن الملائكة قد سمت امرأة إبراهيم من أهل بيته، وكذلك قال الله تعالى في مخاطبة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (ومن يقنت منكن لله ورسوله ويعمل صالحا) [الأحزاب: 31] إلى قوله: (وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) [الأحزاب: 33] قد دخل فيه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، لأن ابتداء الخطاب لهن.
قوله تعالى: (فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط) يعني: لما ذهب عنه الفزع جادل الملائكة حتى قالوا إنا أرسلنا إلى قوم لوط لتهلكهم، فقال: إن فيها لوطا! قالوا: نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله، يروى ذلك عن الحسن.
وقيل: إنه سألهم فقال: أتهلكونهم إن كان فيها خمسون من المؤمنين؟ قالوا: لا، ثم نزلهم إلى عشرة، فقالوا لا، يروى ذلك عن قتادة. ويقال: جادلهم ليعلم بأي شيء استحقوا عذاب الاستيصال وهل ذلك واقع بهم لا محالة أم على سبيل الإخافة ليقبلوا إلى الطاعة. ومن الناس من يحتج بذلك في جواز تأخير البيان، لأن الملائكة أخبرت أنها تهلك قوم لوط ولم تبين المنجين منهم، ومع ذلك فإن إبراهيم عليه السلام جادلهم وقال لهم: أتهلكونهم وفيهم كذا رجلا! فيستدلون بذلك على جواز تأخير البيان، وهذا ليس بشيء، لأن إبراهيم سألهم عن الوجه الذي به استحقوا عذاب الاستيصال وهل ذلك واقع بهم لا محالة أو على سبيل التخويف ليرجعوا إلى الطاعة.
قوله تعالى: (أصلاتك تأمرك أن تترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء). وإنما قيل أصلاتك تأمرك لأنها بمنزلة الآمر بالخير والناهي عن الشر، كما قال تعالى: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) [العنكبوت: 45]، وجائز أن يكون أخبرهم بذلك في حال الصلاة فقال: أصلاتك تأمرك بما ذكرت وعن الحسن: أدينك يأمرك؟ أي فيه الأمر بهذا.
قوله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) والركون إلى الشيء هو السكون إليه بالأنس والمحبة، فاقتضى ذلك النهي عن مجالسة الظالمين ومؤانستهم