فإن قيل: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري، وهذا يدل على أن الكيل على المشتري، لأن مراده الصاع الذي اكتال به البائع من بائعه وصاع المشتري هو ما اكتاله المشتري الثاني من البائع. قيل له: قوله " صاع البائع " لا دلالة فيه على أن البائع هو الذي اكتال، وجائز أن يريد به الصاع الذي كال البائع به بائعه وصاع المشتري الذي كاله له بائعه، فلا دلالة فيه على الاكتيال على المشتري، وإذا صح ذلك فيما وصفنا من الكيل فواجب أن يكون أجرة وزان الثمن على المشتري، لأن عليه تعيين الثمن للبائع، ولا يتعين إلا بوزنه فعليه أجرة الوزان. وأما أجرة الناقد فإن محمد بن سماعة روى عن محمد: " أنه قبل أن يستوفيه البائع فهو على المشتري لأن عليه تسليم الثمن إليه صحيحا، وإن كان قد قبضه البائع فأجرة الناقد على البائع لأنه قد قبضه وملكه، فعليه أن يبين أن شيئا منه معيب يجب رده ".
قوله تعالى: (وتصدق علينا)، قال سعيد بن جبير: إنما سألوا التفضل بالنقصان في السعر ولم يسألوا الصدقة ". وقال سفيان بن عيينة: " سألوا الصدقة وهم أنبياء وكانت حلالا، وإنما حرمت على النبي صلى الله عليه وسلم ". وكره مجاهد أن يقول في دعائه اللهم تصدق علي، لأن الصدقة إنما هي ممن يبتغي الثواب.
قوله تعالى: (قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون)، فيه إخبار أنهم كانوا جاهلين عند وقوع الفعل منهم وأنهم لم يكونوا جاهلين في هذا الوقت، فمن الناس من يستدل بذلك على أنهم فعلوا ذلك قبل البلوغ لأنهم لو فعلوه بعد البلوغ مع أنهم لم تظهر منهم توبة لكانوا جاهلين في الحال، وإنما أراد جهالة الصبا لا جهالة المعاصي. وقول يوسف: (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم) يدل على أنهم فعلوه بعد البلوغ وأن ذلك كان ذنبا منهم يجب عليهم الاستغفار منه، وظاهر الكلام يدل على أنهم تابوا بقولهم: (لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين) ويدل عليه قولهم (يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين)، ولا يقول مثله من فعل شيئا في حال الصغر قبل أن يجري عليه القلم. وقوله: (يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا) إنما جاز لهم مسألة الاستغفار مع حصول التوبة لأجل المظلمة المعلقة بعفو المظلوم وسؤال ربه أن لا يأخذه بما عامله، ويجوز أن يكون إنما سأله أن يبلغه بدعائه منزلة من لم يكن في جناية.
قوله تعالى: (سوف أستغفر لكم ربي). روي عن ابن مسعود وإبراهيم التيمي وابن جريج وعمرو بن قيس: " أنه أخر الاستغفار لهم إلى السحر لأنه أقرب إلى إجابة الدعاء ". وروي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أنه أخر ذلك إلى ليلة الجمعة ". وقيل:
إنما سألوه أن يستغفر لهم دائما في دعائه.