واستجرؤوا عليه من أجله عليه قولهم: (وتكونوا من بعده قوما صالحين) فرجوا التوبة بعد هذا الفعل، وهو نحو قوله تعالى: (بل يريد الانسان ليفجر أمامه) [القيامة: 5]، قيل في التفسير: إنه يعزم على المعصية رجاء التوبة بعدها فيقول أفعل ثم أتوب، وفي ذلك دليل على أن توبة القاتل مقبولة لأنهم قالوا: (وتكونوا من بعده قوما صالحين) وحكاه الله عنهم ولم ينكره عليهم.
قوله تعالى: (قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب). لما تآمروا على أحد شيئين من قتل أو إبعاد عن أبيه أشار عليهم هذا القائل حين قالوا لا بد من أحد هذين بأنقص الشرين وهو الطرح في جب قليل الماء ليأخذه بعض السيارة وهم المسافرون، فلما أبرموا التدبير وعزموا عليه ثابوا للتلطف في الوصول إلى ما أرادوا فقالوا: (يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف) إلى آخر الآيتين.
وقوله تعالى: (أرسله معنا غدا يرتع ويلعب)، قيل في يرتع: " يرعى " وقيل: إن الرتع الإتساع في البلاد، ويقال: يرتع في المال أي هو يتسع به في البلاد واللعب هو الفعل المقصود به التفرج والراحة من غيره عاقبة له محمودة ولا قصد فيه لفاعله إلا حصول اللهو والفرح، فمنه ما يكون مباحا وهو ما لا إثم فيه كنحو ملاعبة الرجل أهله وركوبه فرسه للتطرب والتفرج ونحو ذلك، ومنه ما يكون محظورا. وفي الآية دلالة على أن اللعب الذي ذكروه كان مباحا لولا ذلك لأنكره يعقوب عليه السلام عليهم، فلما سألوه إرساله معهم قال: (إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون) فذكر لهم حزنه لذهابهم به لبعده عن مشاهدته وأنه خائف مع ذلك أن يأكله الذئب، فاجتمع عليه في هذه الحال شيئان الحزن والخوف، فأجابوه بأنه يمتنع أن يأكله الذئب وهم جماعة وأن ذلك لو وقع لكانوا خاسرين.
قوله تعالى: (وأوحينا إليه لتنبئهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون). قال ابن عباس " لا يشعرون بأنه يوسف في وقت ينبئهم "، وكذلك قال الحسن: " أوحى الله إليه وهو في الجب فأعطاه النبوة وأخبره أنه ينبئهم بأمرهم هذا ".
قوله تعالى: (وجاؤوا أباهم عشاء يبكون). روي أن الشعبي كان جالسا للقضاء فجاءه رجل يبكي ويدعي أن رجلا ظلمه، فقال رجل بحضرته: يوشك أن يكون هذا مظلوما، فقال الشعبي: إخوة يوسف خانوا وظلموا وكذبوا وجاؤوا أباهم عشاء يبكون فأظهروا البكاء لفقد يوسف ليبرئوا أنفسهم من الخيانة وأوهموه أنهم مشاركون له في المصيبة ويلقنوا لا ما كان أظهره يعقوب عليه السلام لهم من خوفه على يوسف أن يأكله