أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ١٣٨
(فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم) يعني: لم تؤدوا زكاته. وحدثنا عبد الباقي: حدثنا بشر بن موسى حدثنا عبد الله بن صالح: حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الذي لا يؤدي زكاته يمثل له شجاع أقرع له زبيبتان يلزمه أو يطوقه فيقول أنا كنزك أنا كنزك "، فأخبر أن المال الذي لا تؤدى زكاته هو الكنز. ولما ثبت بما وصفنا أن قوله: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) مراده منع الزكاة، أوجب عمومه إيجاب الزكاة في سائر الذهب والفضة، إذ كان الله إنما علق الحكم فيهما بالاسم فاقتضى إيجاب الزكاة فيهما بوجود الاسم دون الصنعة، فمن كان عنده ذهب مصوغ أو مضروب أو تبر أو فضة كذلك فعليه زكاته بعموم اللفظ، ويدل أيضا على وجوب ضم الذهب إلى الفضة لإيجابه الحق فيهما مجموعين في قوله: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله).
مطلب: في زكاة الحلي وقد اختلف الفقهاء في زكاة الحلي، فأوجب أصحابنا فيه الزكاة، وروى مثله عن عمر وابن مسعود، رواه سفيان الثوري عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود.
وروي عن جابر وابن عمر وعائشة: " لا زكاة في الحلي "، وهو قول مالك والشافعي.
وروي عن أنس بن مالك: " أن الحلي تزكى مرة واحدة ولا تزكى بعد ذلك ". وقد ذكرنا وجه دلالة الآية على وجوبها في الحلي لشمول الاسم له. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم آثار في إيجاب زكاة الحلي، منها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأتين في أيديهما سواران من ذهب فقال: " أتعطين زكاة هذا؟ " قالت: لا، قال:
" أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ " فأوجب الزكاة في السوار.
وحدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا محمد بن عيسى قال: حدثنا عتاب عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة قالت: كنت ألبس أوضاحا من ذهب فقلت: يا رسول الله أكنز هو؟ فقال: " ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز ". وقد حوى هذا الخبر معنيين، أحدهما: وجوب زكاة الحلي، والآخر: أن الكنز ما لم تؤد زكاته. وحدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا محمد بن إدريس الرازي:
حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق: حدثنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر أن محمد بن عمرو بن عطاء أخبره عن عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال: دخلنا على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتخات من ورق، فقال:
" ما هذا يا عائشة؟ " فقالت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله! قال: " أتؤدين زكاتهن؟ "
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»