أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ١٠٢
أربعة أشهر التي هي أشهر الحرم، وجعل أجل بعضهم إلى مدته طالت المدة أو قصرت.
وذكر الأربعة الأشهر في حديث أبي هريرة موافق لقوله تعالى: (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر)، وذكر إثبات المدة التي أجلها في حديث علي موافق لقوله تعالى: (إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم)، فكان أجل بعضهم - وهم الذين خيف غدرهم وخيانتهم - أربعة أشهر، وأجل من لم يخش غدرهم إلى مدته.
وقد روى يونس عن أبي إسحاق قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم أميرا على الحج من سنة تسع، فخرج أبو بكر ونزلت براءة في نقض ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين من العهد والذي كانوا عليه فيما بينه وبينهم أن لا يصد عن البيت أحد ولا يخاف أحد في الشهر الحرام، وكان ذلك عهدا عاما بينه وبين أهل الشرك، وكانت بين ذلك عهود بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قبائل العرب خصائص إلى آجال مسماة، فنزلت: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين)، أهل العهد العام من أهل الشرك من العرب، (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) إن الله بريء من المشركين بعد هذه الحجة. وقوله:
(إلا الذين عاهدتم من المشركين) يعني: العهد الخاص إلى الأجل المسمى، (فإذا انسلخ الأشهر الحرم) يعني الأربعة التي ضربه لهم أجلا. وقوله: (إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام) من قبائل بني بكر الذين كانوا دخلوا في عهد قريش يوم الحديبية إلى المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش، فلم يكن نقضها إلا هذا الحي من قريش وبنو الدئل، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإتمام العهد لمن لم يكن نقضه من بني بكر إلى مدته، (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم).
وروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) قال: " جعل الله للذين عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشهر يسيحون فيها حيث شاؤوا وأجل من ليس له عهد انسلاخ الأشهر الحرم خمسين ليلة، وأمره إذا انسلخ الأشهر الحرم أن يضع السيف فيمن عاهدوا ولم يدخلوا في الاسلام ونقض ما سمى لهم من العهد والميثاق ".
قال أبو بكر: جعل ابن عباس في هذا الحديث الأربعة الأشهر التي هي أشهر العهد لمن كان له منهم عهد، ومن لم يكن له منهم عهد جعل أجله انسلاخ المحرم وهو تمام خمسين ليلة من وقت الحج، وهو العشر من ذي الحجة، وذلك آخر وقت أشهر الحرم.
وروى ابن جريج عن مجاهد في قوله: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»