أما القياس الذي ذكره فهو دعوى محض لم يرده على أصل فلا يستحق الجواب، على أنه منتقض بالإيمان والشهادتين وكذلك في التلبية والاستيذان وما شاكل هذا، لأن هذه إذا كانت ليست بواجبة في استدامتها وانتهائها ومع ذلك فهي واجبة في الابتداء.
وإنما قلنا إن ترك التسمية ناسيا لا يمنع صحة الذكاة، من قبل أن قوله تعالى:
(ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) خطاب للعامد دون الناسي، ويدل عليه قوله تعالى في نسق التلاوة: (وإنه لفسق)، وليس ذلك صفة الناسي، ولأن الناسي في حال نسيانه غير مكلف للتسمية، وروى الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح عن عبيد بن عمير عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تجاوز الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه "، وإذا لم يكن مكلفا للتسمية فقد أوقع الذكاة على الوجه المأمور به فلا يفسده ترك التسمية، وغير جائز إلزامه ذكاة أخرى لفوات ذلك منه، وليس ذلك مثل نسيان تكبيرة الصلاة أو نسيان الطهارة ونحوها، لأن الذي يلزمه بعد الذكر هو فرض آخر، ولا يجوز أن يلزمه فرض آخر في الذكاة لفوات محلها.
فإن قيل: لو كانت التسمية من شرائط الذكاة لما أسقطها النسيان، كترك قطع الأوداج. وهذا السؤال للفريقين: من أسقط التسمية رأسا، ومن أوجبها في حال النسيان، فأما من أسقطها فإنه يستدل علينا باتفاقنا على سقوطها في حال النسيان، وشرائط الزكاة لا يسقطها النسيان كترك قطع الأوداج، فدل على أن التسمية ليست بشرط فيها، ومن أوجبها في حال النسيان يشبهها بترك قطع الحلقوم والأوداج ناسيا أو عامدا أنه يمنع صحة الذكاة. فأما من أسقط فرض التسمية رأسا فإن هذا السؤال لا يصح له، لأنه يزعم أن ترك الكلام من فروض الصلاة وكذلك فعل الطهارة وهما جميعا من شروطها، ثم فرق بين تارك الطهارة ناسيا وبين المتكلم في الصلاة ناسيا، وكذلك النية شرط في صحة الصوم وترك الأكل أيضا شرط في صحته، ولو ترك النية ناسيا لم يصح صومه ولو أكل ناسيا لم يفسد صومه، فهذا سؤال ينتقض على أصل هذا السائل. وأما من أوجبها في حال النسيان واستدل بقطع الأوداج فإنه لا يصح له ذلك أيضا، لأن قطع الأوداج هو نفس الذبح الذي ينافي موته حتف أنفه وينفصل به من الميتة، والتسمية مشروطة لذلك لا على أنها نفس الذبح بل هي مأمور بها عنده في حال الذكر دون حال النسيان، فلم يخرجه عدم التسمية على وجه السهو من وجود الذبح، فلذلك اختلفا.
قوله تعالى: (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا) الآية. الحرث الزرع، والحرث الأرض التي تثار للزرع، قال ابن عباس وقتادة: " عمد أناس من أهل الضلالة فجزأوا من حروثهم ومواشيهم جزأ لله تعالى وجزأ لشركائهم، فكانوا إذا خالط