دلالات الحدث فيه. ثم لما أصبح رأى الشمس طالعة في عظمها وإشراقها وتكامل ضيائها قال: هذا ربي، لأنها بخلاف الكوكب والقمر في هذه الأوصاف، ثم لما رآها آفلة منتقلة حكم لها بالحدوث أيضا وأنها في حكم الكوكب والقمر لشمول دلالة الحدث للجميع.
وفيما أخبر الله تعالى به عن إبراهيم عليه السلام وقوله عقيب ذلك: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه) أوضح دلالة على وجوب الاستدلال على التوحيد وعلى بطلان قول الحشو القائلين بالتقليد، لأنه لو جاز لأحد أن يكتفي بالتقليد لكان أولاهم به إبراهيم عليه السلام، فلما استدل إبراهيم على توحيد الله واحتج به على قومه ثبت بذلك أن علينا مثله، وقد قال في نسق التلاوة عند ذكره إياه مع سائر الأنبياء: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) فأمرنا الله تعالى بالاقتداء به في الاستدلال على التوحيد والاحتجاج به على الكفار ومن حيث دلت أحوال هذه الكواكب على أنها مخلوقة غير خالقة ومربوبة مع غير رب فهي دالة أيضا على أن من كان في مثل حالها في الانتقال والزوال والمجيء والذهاب لا يجوز أن يكون ربا خالقا وأنه يكون مربوبا، فدل على أن الله تعالى لا يجوز عليه الانتقال ولا الزوال ولا المجيء ولا الذهاب، لقضية استدلال إبراهيم عليه السلام بأن من كان بهذه الصفة فهو محدث، وثبت بذلك أن من عبد ما هذه صفته فهو غير عالم بالله تعالى وأنه بمنزلة من عبد كوكبا أو بعض الأشياء المخلوقة. وفيه الدلالة على أن معرفة الله تعالى تجب بكمال العقل قبل إرسال الرسل، لأن إبراهيم عليه السلام استدل عليها قبل أن يسمع بحجج الأنبياء عليهم السلام.
قوله تعالى: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه). يعني والله أعلم ما ذكر من الاستدلال على حدوث الكوكب والقمر والشمس، وأن من كان في مثل حالها من مقارنة الحوادث له لا يكون إلها. ولما قرر ذلك عندهم قال أي الفريقين أحق بالأمن أمن يعبد إلها واحدا أحق أم من يعبد آلهة شتى؟ قالوا: من يعبد إلها واحدا، فأقروا على أنفسهم فصاروا محجوجين. وقيل أنهم لما قالوا له أما تخاف أن يخبلك آلهتنا؟ قال لهم: أما تخافون أن تخبلكم بجمعكم الصغير مع الكبير في العبادة؟ فأبطل ذلك حجاجهم عليه من حيث رجع عليهم ما أرادوا إلزامه إياه فألزمهم مثله على أصلهم وأبطل قولهم بقوله.
قوله تعالى: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) أمر لنا بالاقتداء بمن ذكر من الأنبياء في الاستدلال على توحيد الله تعالى على نحو ما ذكرنا من استدلال إبراهيم عليه السلام، ويحتج بعمومه في لزوم شرائع من كان قبلنا من الأنبياء بأنه لم يخصص بذلك