أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ١٣
والدخن والأرز والحمص والعدس والجلبان واللوبياء وما أشبه ذلك من الحبوب وفي الزيتون ". وقال ابن أبي ليلى والثوري: " ليس في شئ من الزرع زكاة إلا التمر والزبيب والحنطة والشعير "، وهو قول الحسن بن صالح، وقال الشافعي: " إنما تجب فيما ييبس ويقتات ويدخر مأكولا، ولا شيء في الزيتون لأنه إدام ". وقد روى عن علي بن أبي طالب وعمر ومجاهد وعطاء وعمرو بن دينار: " أنه ليس في الخضر صدقة ". وروي عن ابن عباس أنه كان يأخذ من دساتج الكراث العشر بالبصرة.
قال أبو بكر: قد تقدم ذكر اختلاف السلف في معنى قوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) وفي بقاء حكمه أو نسخه، والكلام بين السلف في ذلك من ثلاثة أوجه، أحدها: هل المراد زكاة الزرع والثمار وهو العشر ونصف العشر أو حق آخر غيره؟ وهل هو منسوخ أو غير منسوخ؟ فالدليل على أنه غير منسوخ اتفاق الأمة على وجوب الحق في كثير من الحبوب والثمار وهو العشر ونصف العشر، ومتى وجدنا حكما قد استعملته الأمة ولفظ الكتاب ينتظمه ويصح أن يكون عبارة عنه، فواجب أن يحكم أن الاتفاق إنما صدر عن الكتاب وأن ما اتفقوا عليه هو الحكم المراد بالآية، وغير جائز إثباته حقا غيره ثم إثبات نسخه بقوله عليه السلام: " فيما سقت السماء العشر " إذ جائز أن يكون ذلك الحق هو العشر الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون قوله: " فيما سقت السماء العشر " بيانا للمراد بقوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) كما أن قوله: " في مائتي درهم خمسة دراهم " بيان لقوله تعالى: (وآتوا الزكاة) [البقرة: 43]، وقوله: (أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض) [البقرة: 267]، وغير جائز أن يكون قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) منسوخا بالعشر ونصف العشر، لأن النسخ إنما يقع بما لا يصح اجتماعهما، فأما ما يصح اجتماعهما معا فغير جائز وقوع النسخ به، ألا ترى أنه يصح أن يقول: وآتوا حقه يوم حصاده وهو العشر؟ فلما كان ذلك كذلك لم يجز أن يكون منسوخا به. وأما من جعل هذا الحق ثابت الحكم غير منسوخ وزعم أنه حق آخر غير العشر يجب عند الحصاد وعند الدياس وعند الكيل، فإنه لا يخلو قوله هذا من أحد معنيين: إما أن يكون مراده عنده الوجوب، أو الندب، فإن كان ندبا عنده لم يسغ له ذلك إلا بإقامة الدلالة عليه، إذ غير جائز صرف الأمر عن الإيجاب إلى الندب إلا بدلالة، وإن رآه واجبا، فلو كان كما زعم لوجب أن يرد النقل به متواترا لعموم الحاجة إليه، ولكان لا أقل من أن يكون نقله في نقل وجوب العشر ونصف العشر، فلما لم يعرف ذلك عامة السلف والفقهاء علمنا أنه غير مراد، فثبت أن هذا الحق هو العشر ونصف العشر الذي بينه عليه السلام.
فإن قيل: الزكاة لا تخرج يوم الحصاد وإنما تخرج بعد التنقية، فدل على أنه لم يرد
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»