الموجبة لما ذكرنا. وأيضا فإن قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم) [البقرة: 267] أمر، وهو يقتضي الوجوب وليس ههنا نفقة واجبة غير الزكاة والعشر إذ النفقة على عياله واجبة. وأيضا فإن النفقة على نفسه وأولاده معقولة غير مفتقرة إلى الأمر، فلا معنى لحمل الآية عليه.
فإن قيل: المراد صدقة التطوع. قيل له: هذا غلط من وجهين، أحدهما: أن الأمر على الوجوب فلا يصرف إلى الندب إلا بدليل، والثاني: قوله تعالى: (ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه) [البقرة: 267] قد دل على الوجوب، لأن الإغماض إنما يكون في اقتضاء الدين الواجب، فأما ما ليس بواجب فكل ما أخذه منه فهو فضل وربح فلا إغماض فيه، ومن جهة السنة حديث معاذ وابن عمر وجابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما سقت السماء ففيه العشر وما سقي بالسانية فنصف العشر "، وهذا خبر قد تلقاه الناس بالقبول واستعملوه، فهو في حيز التواتر وعمومه يوجب الحق في جميع أصناف الخارج.
فإن احتجوا بحديث يعقوب بن شيبة قال: حدثنا أبو كامل الجحدري قال: حدثنا الحارث بن شهاب عن عطاء بن السائب عن موسى بن طلحة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس في الخضراوات صدقة ". قيل له: قد قال يعقوب بن شيبة إن هذا حديث منكر، وكان يحيى بن معين يقول: حديث الحارث بن شهاب ضعيف، قال يحيى: وقد روى عبد السلام بن حرب هذا الحديث عن عطاء بن السائب عن موسى بن طلحة مرسلا، وعبد السلام ثقة، وإنما أصل حديث موسى بن طلحة ما رواه يعقوب بن شيبة قال: حدثنا جعفر بن عون قال: حدثنا عمرو بن عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة أن بعض الأمراء بعث إليه في صدقة أرضه فقال: ليس عليها صدقة وإنما هي أرض خضر ورطاب، إن معاذا إنما أمر أن يأخذ من النخل والحنطة والشعير والعنب. فهذا أصل حديث موسى بن طلحة، وهو تأويل لحديث معاذ أنه أمر بالأخذ من الأصناف التي ذكر، وليس في ذلك لو ثبت دلالة على نفي الحق عما سواها، لأنه يجوز أن يكون معاذا إنما استعمل على هذه الأصناف دون غيرها. وأيضا فلو استقام سند موسى بن طلحة وصحت طريقته لم يجز الاعتراض به على خبر معاذ في العشر ونصف العشر، لأنه خبر تلقاه الناس بالقبول واستعملوه، وهم مختلفون في استعمال حديث موسى بن طلحة، ومتى ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم خبران فاتفق الفقهاء على استعمال أحدهما واختلفوا في استعمال الآخر كان المتفق على استعماله قاضيا على المختلف فيه منهما خاصا كان ذلك أو عاما، فوجب أن يكون قوله: " فيما سقت السماء العشر " قاضيا على خبر موسى بن طلحة: