أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٥٧٠
التكرار؟ قيل له: قد يكون تعقيد اليمين بأن يعقدها في قلبه ولفظه، ولو عقد عليها في أحدهما دون الآخر لم يكن تعقيدا، إذ هو كالتعظيم الذي يكون تارة بتكرير الفعل والتضعيف وتارة بعظم المنزلة، وأيضا فإن في قراءة التشديد إفادة حكم ليس في غيره، وهو أنه متى أعاد اليمين على وجه التكرار أنه لا تلزمه إلا كفارة واحدة، وكذلك قال أصحابنا فيمن حلف على شئ ثم حلف عليه في ذلك المجلس أو غيره وأراد به التكرار:
لا يلزمه إلا كفارة واحدة. فإن قيل: قوله: " بما عقدتم " بالتخفيف يفيد إيجاب الكفارة باليمين الواحدة. قيل له: القراءتان والتكرار جميعا مستعملتان على ما وصفنا، ولكل واحدة منهما فائدة مجددة.
فصل ومن يجيز الكفارة قبل الحنث يحتج بهذه الآية من وجهين: أحدهما قوله: (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته) فجعل ذلك كفارة عقيب عقد اليمين من غير ذكر الحنث، لأن الفاء للتعقيب. والثاني: قوله تعالى: (ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم).
فأما قوله: (بما عقدتم الأيمان فكفارته) فإنه لا خلاف أن فيه ضميرا متى أراد إيجابها، وقد علمنا لا محالة أن الآية قد تضمنت إيجاب الكفارة عند الحنث وأنها غير واجبة قبل الحنث، فثبت أن المراد: بما عقدتم الأيمان وحنثتم فيها فكفارته، وهو كقوله تعالى:
(ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) [البقرة: 185] والمعنى: فأفطر فعدة من أيام أخر، وقوله: (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة) [البقرة: 196] فمعناه: فحلق ففدية من صيام، كذلك قوله: (بما عقدتم الأيمان فكفارته) معناه: فحنثتم فكفارته، لاتفاق الجميع أنها غير واجبة قبل الحنث، وقد اقتضت الآية لا محالة إيجاب الكفارة وذلك لا يكون إلا بعد الحنث، فثبت أن المراد ضمير الحنث فيه. وأيضا لما سماه كفارة علمنا أنه أراد التكفير بها في حال وجوبها، لأن ما ليس بواجب فليس بكفارة على الحقيقة ولا يسمى بهذا الاسم، فعلمنا أن المراد: إذا حنثتم فكفارته إطعام عشرة مساكين، وكذلك قوله في نسق التلاوة: (ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) معناه: إذا حلفتم وحنثتم، لما بيناه آنفا.
فإن قيل: يجوز أن تسمى كفارة قبل وجوبها كما يسمى ما يعجله من الزكاة قبل الحول زكاة لوجوب السبب الذي هو النصاب، وكما يسمى ما يعجله بعد الجراحة كفارة قبل وجود القتل وإن لم تكن واجبة في هذه الحال، فكذلك يجوز أن يكون ما يعجله الحالف كفارة قبل الحنث ولا يحتاج إلى إثبات إضمار الحنث في جوازها. قيل له: قد
(٥٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 565 566 567 568 569 570 571 572 573 574 575 ... » »»